سمير عطا الله&&

كان ولفرد ثيسيغر مأخوذًا بحياة البداوة مثل معظم الرحالة، يفضل قساوة الصحراء وصفاءها على صخب المدن وعدائيتها: «لم يكن عند عرب الشمال عادات مقتبسة من حضارة زائلة. إن ترتيب ثلاثة أحجار على شكل موقد يوضع وعاء عليه، كان كل ما يتطلبه أكثرهم من فن البناء. وكانوا يعيشون في خيم سوداء، ولا يطلبون سوى الضروري من الحياة: طعام أو شراب، وملبس يغطي عريهم، وملجأ يؤويهم من الشمس والريح، وأسلحة مع بعض الأواني والخضر وجلود الماء والسروج. وتلك الحياة تمنح الكثير من النبل».

في الرحلة الطويلة شعرت القافلة بالخوف. المرعى قليل على الطريق «وإذا لم نجد الكلأ، سوف تتهاوى الجمال وتكون تلك نهايتنا جميعًا». لكن حدثًا مهمًا قد وقع. فقد اصطاد «مسلم»، أحد الرفاق، غزالاً، «فأكلنا نصفه وخبأنا الباقي تحت عليقة منخفضة لنحفظه من الرمل. وعندما استيقظنا لم نجده. وقد دلت الآثار على أن ثعلبًا قد سرقه فغضبتُ، لأن هذه كانت آخر كمية من اللحم يمكن أن نحصل عليها لوقت طويل. غير أن مسلم تعقب الآثار وجلب أكثر اللحم من تحت شجرة أخرى كان الثعلب قد دفنه تحتها، فنظفناه من الرمل، شاكرين الله على أننا قد استعدناه».

تلك هي الحياة في صحراء تلك الأيام. الإنسان يتنافس مع الثعلب على قطعة لحم، ويقطع عشرات الأميال بحثًا عن مياه مرة يخلطها بحليب النوق لكي يتمكن من شربها، أما الجمال نفسها فكانت تأنف من شربها مهما بلغ بها العطش.

كان يعوض هذا القحط مهرجان الألوان في الصحراء: ذهبي مع فضي. برتقالي مع أصفر. أحمر قرميدي مع أبيض. بني محروق مع زهري. أصفر مع رمادي. ثم ظلال أخرى لا نهاية لها. ثم في هذا الفضاء الخالي كليًا، تبدو فجأة واحة صغيرة، وتظهر القبرات والفراشات تنتقل من نبتة إلى أخرى. ولكن أيضًا تظهر فئران الغيط «التي لا أعرف ما الذي جاء بها إلى هنا».

يذهب الجميع إلى النوم، أما ثيسيغر فيبقى صاحيًا: «فكرت في الوقت الذي يتلاشى فيه آخر النباتات الذابلة، فتتهاوى هياكل الرجال والحيوانات إلى الأرض لتموت. حتى في هذه الليلة سينام هؤلاء الرجال عُراة على صقيع من الرمل لا تدثرهم سوى أردية رثة يسترون بها عوراتهم.. فكرت في الآبار المرّة عندما تغلي من أتون الحرارة في الصيف، وعندما يسقون الجمال العطشى المتزاحمة ساعة إثر ساعة حتى تجف البئر أخيرًا وتئن الجمال اللجوجة طلبًا للماء المفقود».

تلك صفحة من حياة الصحراء للذين يحلو لهم ترداد الكلام الخالي: النفط نقمة لا نعمة.

&

&

&