&سليم نصار

في الزيارة الأولى التي قام بها الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس وزراء البحرين، للمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، نقل رغبة بلاده في ضرورة تقريب المسافة بين المنامة والدمام. وقال في حديثه مع المسؤولين، إن حاجة البلدين تقتضي بناء جسر التواصل وربط الأمن بين البحرين والسعودية.

وقد تجاوب مع هذا الاقتراح في حينه، الملك فيصل بن عبدالعزيز، الذي طلب سنة 1965 وضع التصاميم الهندسية اللازمة لتحقيق رغبة البلدين. لكن عملية اغتياله أرجأت قرار التنفيذ.

وهكذا بقي هذا المشروع نائماً في الأدراج الى حين تولّى الملك فهد بن عبدالعزيز سدة الحكم. وفي الثامن من تموز (يوليو) 1980، باشرت الشركة الهولندية «بلاستنيدام» في بناء جسر بلغ طوله 25 كلم. وقد أطلِقَ عليه أثناء حفلة التدشين (25 تشرين الثاني - نوفمبر 1986) إسم «جسر الملك فهد».

التغطية الإعلامية التي نالها ذلك الحدث العمراني ركّزت على دور السعودية في ربط ما انقطع... وتجسير الانحسارات المتباعدة... ورفض العوازل والجدران المؤدية الى فصل الشعوب.

ومثل هذا الموقف الملزم ردّدته الخطب التي قيلت في القاهرة لمناسبة الزيارة الرسمية التي قام بها الملك سلمان بن عبدالعزيز، وإعلانه عن استعداد بلاده لبناء جسر يربط بين شمال غربي المملكة وشبه جزيرة سيناء.

ويشكّل هذا الجسر العملاق الذي يبلغ طوله ضعف طول جسر الملك فهد (50 كلم)... حلقة قوية من حلقات التبادل التجاري بين البلدين، ومنفذاً دولياً للمشاريع الواعدة بين السعودية ومصر.

ويرى المهندسون أن تنفيذه يستغرق سبع سنوات، بتكلفة تصل الى أربعة بلايين دولار.

ومن المقرّر أن يمر جسر الملك سلمان - وفق الاسم الذي أطلقه عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي - من منطقة تبوك الى جزيرة صنافير، ثم جزيرة تيران. ويُستدَل من التصاميم التي نشرتها الصحف، أن الجسر المزمع إنشاؤه سيربط جزيرة تيران بسيناء من خلال نفق بحري حتى لا يؤثر في حركة الملاحة. قبل سبع سنوات تقريباً، ظهرت في وسائل الإعلام السعودية فكرة إنشاء مشروع جسر عملاق يربط المملكة بمصر.

وأبرزت تصاميم المشروع في حينه، أن الجسر يمتد على مسافة خمسين كلم، بدءاً من منطقة منتجع شرم الشيخ... مروراً بجزيرة تيران... على أن ينتهي في منطقة تبوك، شمال السعودية.

في بداية الإعلان عن تفاصيل المشروع، كانت الميزانية المخصصة لتنفيذه لا تتعدى ثلاثة بلايين دولار. لكنها اشترطت تشغيل المتعهدين وعمال البناء من التابعية المصرية، بغرض توفير الفرص لآلاف العاطلين من العمل.

وحول الجانب المتعلّق بشؤون السياحة والنقل، قالت الرياض إن هذا الجسر سيزيد من عمليات التبادل التجاري، ويؤمن النقل والسفر لأعداد كبيرة من السيّاح والحجّاج.

عقب استعادة تفاصيل المشروع، وتقدّم شركات أجنبية وعربية للدخول في المناقصة، أعلنت إسرائيل رفضها القاطع لتحقيق مشروع قالت إنه سيؤثر في شكل سلبي في الممر البحري في مضيق تيران. ثم كرّرت إذاعة «صوت إسرائيل» اعتراض الحكومة على بناء جسر عند مدخل خليج إيلات، الأمر الذي يمثّل تهديداً استراتيجياً مباشراً لأمن الدولة العبرية.

الملاحظ في هذا السياق، أن عبدالفتاح السيسي حرص على زيارة السعودية بعد فترة قصيرة جداً من تاريخ انتخابه رئيساً (حزيران - يونيو 2014). كل هذا من أجل تأكيد سياسته الخارجية الداعمة لموقف دول مجلس التعاون الخليجي. وقد عبَّر عن هذا النهج بوضوح عندما قال إن أمن الخليج هو امتداد لأمن مصر. وكان بهذا الرباط المعنوي يبعث برسالة سياسية الى إيران. وقد ظهرت هذه السياسة بوضوح في مؤتمر القمة العربية التي عقدها الرئيس المصري في شرم الشيخ وليس في القاهرة (آخر آذار - مارس - 2015). ومع أن المشاركة اقتصرت على 14 ملكاً ورئيساً من إجمالي 23 دولة، إلا أن برنامج القمة تناول أهم القضايا العربية الساخنة، مثل: حرب اليمن، ومكافحة الجماعات الإرهابية، وتجديد العمل باتفاق الدفاع العربي المشترك، وتثبيت التحالف العربي في دعم القضية الفلسطينية.

وكان المطلوب من اختيار منطقة منتجع شرم الشيخ لعقد تلك القمة، إظهار حجم الضغوط الأمنية التي يعانيها النظام المصري، والتي بسببها يخسر سنوياً مبالغ لا تقل عن 14 بليون دولار.

وقد ثبت للمشاركين في تلك القمة المعزولة، أن مصر تعاني من مساوئ حصارَيْن: الأول، داخلي يفرضه «الإخوان المسلمون» بواسطة المتفجرات والإضرابات. والثاني، خارجي يتمثّل بالضربات الموجعة التي تسدّدها للجيش النظامي في صحراء سيناء جماعات «داعش» و «القاعدة» و «حماس».

وحول تغيير موقف «حماس» من نظام السيسي، أكد اسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي، أن الحركة لا تتدخل في الشأن المصري، وليس لها أي دور عسكري أو أمني في سيناء المصرية. وهذا ما كرره الدكتور محمود الزهار، عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، الذي أعلن هذا الأسبوع عن انفراج في العلاقة بين الطرفين. وقال أيضاً إن «الحركة» حريصة على سلامة الأمن القومي المصري، وكذلك أمن الحدود الفاصلة مع غزة.

ومن المؤكد أن موقف «حماس» الجديد سيطمئن جيش مصر الذي يتعرض لغارات متواصلة، يشنّها «داعش» مع جماعة «ولاية سيناء» التي تملك أسلحة متطوّرة جداً وفّرتها لها قوى خارجية!

وبما أن الرئيس السيسي يحاول حصر جهود الجيش في معالجة قضايا الأمن الداخلي عقب اغتيال النائب العام هشام بركات، إلا أن اهتماماته الإضافية انتقلت الى الشريط الحدودي. والسبب، أن القيادة الأميركية في سيناء أعلنت عن نيتها إخلاء قاعدة العريش ونقل مركز الثقل الى قاعدة قرب قناة السويس. وهذا ما أعلنت عنه القوة الكندية أيضاً. علماً أن القوة المتعددة الجنسيات أرسِلَت الى سيناء للحفاظ على السلام بين مصر وإسرائيل. ويبدو أن تنظيم «داعش» استطاع أن يقلق هذه القوة، بدليل أن عدداً من شيوخ الكونغرس رفعوا عريضة الى الرئيس أوباما تطالبه بالتخلّي عن الرئيس السيسي.

قبل ثلاثة أسابيع، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» افتتاحية دعت فيها أوباما الى قطع حبال التحالف مع مصر، لأن السيسي - وفق تحليلها - يخرق حقوق الإنسان بخصومته للإخوان المسلمين. كذلك، طلبت الصحيفة من أوباما إلغاء المساعدة التي تقدّمها الولايات المتحدة للجيش المصري، والتي لا تتعدى البليون ونصف البليون دولار.

ويتردد في القاهرة، أن الرئيس السيسي عازم على إلغاء هذه المساعدة، إذا استمرت واشنطن في التدخل بشؤون مصر الداخلية. خصوصاً أن دول مجلس التعاون الخليجي تبرعت بتعويض المبلغ، بحيث تصبح مصر حرة من التزاماتها نحو الولايات المتحدة. والطريف في الأمر، أن واشنطن تدفع لإسرائيل ثلاثة بلايين دولار لقاء مساعدات خصّصها اتفاق «كامب ديفيد»، من دون أن تتجرأ على فرض إملاءاتها السياسية على دولة اليهود! في أحاديثه مع الزعماء العرب، يحرص السيسي على طرح مخاوفه حيال أزمة البطالة التي تشغل بال شبان مصر، الذين يشكلون ما نسبته 65 في المئة من جيل لا تزيد أعمار أبنائه عن الأربعين سنة. ووفق تقديرات مكاتب الإحصاء، فإن هذا الجيل يمثل أربعين في المئة من عدد سكان مصر، الذين تخطى عددهم الـ95 مليون نسمة.

وبما أن السيسي عمل في عهد الرئيس حسني مبارك رئيساً للمخابرات العسكرية... كما تولى مسؤولية وزراة الدفاع في مرحلة حكم الرئيس المخلوع محمد مرسي، فإن هذين المنصبَيْن زوّداه بمعلومات كافية وافية عن طموحات «الإخوان».

وكتب في إحدى توصياته الى قيادة الجيش صيف 2013، يحذّر من خطر انهيار الصندوق القومي المصري الذي أفرغه مرسي من أمواله، ولم يبقَ فيه سوى خمسة بلايين دولار.

ولما علم أن الرئيس الجديد يسعى الى حل قيادة الجيش، وإنشاء «حرس وطني» مثل إيران، توقع تحوّل مصر الى دولة جهاد وإرهاب مثل كوريا الشمالية. لهذه الأسباب وسواها، قام السيسي بانقلاب مخملي ضد مرسي، خصوصاً بعدما اكتشف أنه طالب الأميركيين بالإفراج عن الشيخ عمر عبدالرحمن، الزعيم الديني الذي قاد تفجير البرجَيْن التوأمين في نيويورك سنة 1993. واللافت أن واشنطن استمرت في تأييد مرسي على رغم التجاوزات التي قام بها، لأنه، في نظرها، تم انتخابه بطريقة ديموقراطية. لذلك أرسلت له طائرات حديثة من طراز (أف - 16) وغفرت له عمليات تهريب السلاح الى المعارضين في ليبيا وسورية، والسماح لسفن حربية إيرانية بالعبور في قناة السويس.

بعد الزيارتين اللتين قام بهما الملك سلمان بن عبدالعزيز لكل من مصر وتركيا، يتوقع المراقبون أن تكون «القمة الإسلامية» في اسطنبول مدخلاً لتفاهم سياسي واسع بين أنقرة والقاهرة. صحيح أن الرئيس عبدالفتاح السيسي اكتفى بتمثيل بلاده بوفد ترأسه وزير الخارجية سامح شكري... لكن الصحيح أيضاً، أنه لم ينسَ تدخّل الرئيس رجب طيب أردوغان بشؤون مصر الداخلية، وإصراره على طلب الإفراج عن معتقلي جماعة «الإخوان المسلمين». يقول زعماء المعارضة التركية إن أردوغان حاول التصرف مع مصر وسورية وإيران وروسيا بمنطق سلطانٍ كانت بلاده تُدعى «الإمبراطورية العثمانية».

لكنه سرعان ما اكتشف أن خشونة هذا المنطق جعلت بلاده هدفاً سهلاً لتنظيم «داعش»، وأنه خسر كل صداقاته السابقة مع الدول التي عززت اقتصاد بلاده. وهو حالياً ينتظر من العاهل السعودي أن يفتح له باب المصالحة مع النظام المصري!