&عبدالله المساوي &
على ما يبدو فالعالم يذهب اليوم إلى نوع جديد من الاصطفافات بحيث أصبحت أولويات الدول والحكومات الغربية مرتبطة بأهداف جيوسياسية أخرى، فالتخلي التدريجي لأمريكا عن الشرق الأوسط بطريقة مبهمة ما زالت تطرح العديد من الأسئلة ؛فتصريحات أوباما عن السعودية وعن بلدان الخليج العربي بخصوص ضرورة البحث عن بدائل ذاتية من أجل الأخذ بزمام أمنهم الذاتي ينذر بأن شيئا ما سيحدث في الأشهر والسنوات المقبلة.هذا الشيء سيكون جذريا يعاد فيه ترتيب الأوراق والأولويات حسب قواعد لعب جديدة .ولكي يفهم القارئ تجليات هذا التغيير لابد من استحضار الموروث التاريخي الذي تتصارع عليه اليوم أكثر من قوة :إيران،السعودية،تركيا،مصر،الجهادية العالمية،ومن ورائهم أمريكا،روسيا وأوروبا.
&هل نحن بصدد اتفاقية سايكس بيكو جديدة ؟.&
يحكي موريس هانكي سكريتير الحكومة البريطانية في مذكراته في 11 دجنبر 1920، أنه عندما اجتمع كليمنصو بفوش بالسفارة الفرنسية سأل الأول الثاني قائلا:" على ماذا يتوجب علينا الحديث؟"
&رد اللويد جورج : "عن دجلة والفرات و فلسطين"&
. فبادره كليمنصو : " قل لي ماذا تريد؟"&
.أجابه اللويد جورج : " أريد الموصل"&
. قال له كليمنصو :"هي لك"&
. فسأله :" هل تريد شيئا آخر؟"&
.يجيب اللويد جورج "نعم ، أريد القدس"&
فأجابه كليمنصو :"هي لك".&
لا أحد انتبه إلى هذه المدينة التي استقبلت في يونيو 2014 "جهاديي" العالم، والتي بدون أدنى شك ستلعب في الأشهر القادمة دورا مهما في إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد، فاللويد جورج لم يكن يهرف بما لا يعرف في بداية القرن التاسع عشر عندما اختار الموصل بالذات، بل استحضر خارطة الشرق العربي وقرأها قراءة متفحصة .وهو ما حدا ببريطانيا وفرنسا في ماي 1916 إلى إعادة ترسيم كيانات جديدة استمر وجودها إلى الآن. غير أن اللافت للنظر يتجلى في كون هذه الحدود الدولية التي شهدت اتفاقية سايكس بيكو على ولادتها حدود وهمية بامتياز والدليل نراه اليوم ؛حدود أراضي كل من العراق و سوريا،لبنان ،تركيا،اليمن إلى أخره...كلها حدود وهمية لا تعكس الواقع على الأرض.وهكذا، فحدود سوريا مع العراق لم تعد موجودة منذ سنة 2012. على الجانب العراقي يراقب تنظيم الدولة مساحة كبيرة من محافظة الأنبار كالموصل وأطراف من الفلوجة وغيرها. وهو موجود على الجانب الأخر من الحدود في قلب الشمال السوري من منطقة أبو كمال إلى الرقة وحلب بحيث لا أحد باستطاعته إلى حد الآن أن يوقف مجموعات التنظيم ولا أسلحته على هذه الحدود الدولية القديمة .وكذلك الحال في الغرب،على الحدود السورية اللبنانية ،فلبنان أصبح قاعدة لوجستيكية للمتمردين السوريين الذين استفادوا من حرية كبيرة للحركة إلى حدود ماي 2014 حيث استطاع النظام السوري تقييد حركتهم جزئيا بمساعدة حزب الله اللبناني.وهنا كذلك فالحدود لم يعد لها وجود ،بل هي بالأحرى غير موجودة أصلا منذ 1976 عندما أرسل النظام السوري قواته إلى لبنان إبان الحرب الأهلية. أما البلدان العربية الأخرى فقد ورثت عن الدولة العثمانية تناقضات كثيرة لا تعد ولا تحصى ،تجلت خصوصا في الصراعات العقدية التي وجدت نفسها في نظام الملة. وهو ما انعكس على الأنظمة السياسية في لبنان وسوريا وعراق ما بعد 2003، فالمحاصصة الطائفية قتلت مشروع الدولة الوطنية، بل ومهدت الطريق لميلاد أنظمة جديدة كالبعث الذي كان يطمح إلى توحيد العرب، لكن على حساب قمع وحضر النقاشات الداخلية :فالطبقات العليا السورية مثلا لم تتفاهم أبدا على ثقافة أو فضاء سياسي جامع يحترم كل المكونات الوطنية.بل إن إيديولوجيا الحزب الواحد خنقت الاختلاف الموجود داخل المجتمع السوري، وبدل التفكير في الانفتاح على الجميع بتنا نرى التوريث داخل النظام الجمهوري وهو ما نجح نسبيا بسوريا ولم ينجح بمصر وليبيا واليمن...
&كل هذه الصراعات تدمر بدون شك القواعد الإيديولوجية للأنظمة السياسية.فحزب البعث السوري يطمح إلى توحيد العرب على طريقته يخوض حربا ضد معارضيه بمؤازرة الجمهورية الإسلامية .ودول الخليج هي الأخرى، كالسعودية وقطر تدعم المعارضة السورية.كذلك الحرب الأهلية في سوريا تهدد المبادئ التي ارتكز وتوافق عليها اللبنانيون منذ الاستقلال نهاية الحرب العالمية الثانية. فالمارونيون لم يطلبوا دعم فرنسا، و الإسلاميون حافظوا على حبل الود مع القومية العربية ،إلا حزب الله الذي ورط حياد الدولة اللبنانية بمشاركته إلى جانب نظام الأسد.&
إن القوى المتصارعة اليوم فوق أرض الشرق الأوسط تحاول، كل من جانبها، السيطرة على الموروث التاريخي والاستئثار به ،ولا يوجد لها مشاريع بديلة داخل حدود الدولة الوطنية فلا أحد يحارب اليوم من أجل لبنان، ومن أجل سوريا والعراق . فالكل يحارب من أجل مآرب محلية فئوية ،عقدية ،عشائرية بغيضة ومقيتة. والكل بالشرق الأوسط اليوم يمارس العنف دون البحث عن البناء الجاد للدولة الوطنية.&
إن الكل يجمع في السر والعلانية أن لعبة سايكس بيكو جديدة ما ستنطلق من مدينة الموصل بالذات،حيث يجثم البغدادي وأعوانه على رقاب مئات الآلاف من الأبرياء. فهل ذكاء البغدادي حاد الى هذه الدرجة كي يختار الموصل ؟ وحدها الأشهر والسنوات القادمة هي الكفيلة بالإجابة عن هذا السؤال ولكن الأكيد أنه عندما تتوقف رحى الحرب ستتغير خريطة المنطقة العربية بدون شك ...ولكن كيف ستكون هذه المرة؟؟
التعليقات