&عبدالله ناصر العتيبي

في حال فوز هيلاري كلينتون في سباق البيت الأبيض في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فستكون أول رئيس ذا منصب وزاري سابق يحكم أميركا بعد الرئيس الـ31 هربرت هوفر (١٨٧٤-١٩٦٤)، الذي تقلد منصب وزير التجارة (١٩٢١-١٩٢٣) قبل أن يصبح رئيساً (١٩٢٩-١٩٣٣).

وفي حال فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالسباق، فسيكون أول رئيس لأميركا بلا خلفية عسكرية يدخل البيت الأبيض من دون أن يخوض أية انتخابات سابقة، بعد الرئيسين وليام تافت (١٩٠٩-١٩١٣) وهربرت هوفر.

فما الذي يعنيه ذلك؟

سنوات طويلة تفصلنا عن ثلاثينات القرن الماضي. سنوات تقترب من الـ90 عايشنا فيها السياسيين والعسكريين السابقين يدخلون البيت الأبيض بتجارب ابتدائية شبه مكتملة. يأتي الرئيس بمعرفة سياسية محلية كاملة وبتاريخ طويل من المنافسات المحمومة ذات الطابع المحلي الخالص، ثم يصبح رئيساً يشير بيده اليمنى إلى الداخل الأميركي ويشير بيده اليسرى إلى العالم!

يدخل مرشح الرئاسة إلى المكتب البيضاوي، وهو حاكم الولاية السابق أو عضو الكونغرس السابق المشغول بأميركا من الداخل، ليطل برأسه على العالم من خلال نوافذ البيت الأبيض. يجيء بحلم أميركي خالص، ثم يعمل، من الصفر، على نشره في المعمورة.

هيلاري كلينتون ستكون رئيس أميركا الـ45، وهي بالإضافة إلى تاريخها السياسي وعضويتها السابقة في الكونغرس وزيرة خارجية سابقة في الولاية الأولى للرئيس الحالي باراك أوباما. ودونالد ترامب سيكون الرئيس المقبل لأميركا بسجل خالٍ من الانتخابات السياسية المحلية.

هربرت هوفر يعطي صفة من صفاته لهيلاري كلينتون وصفة أخرى لدونالد ترامب، فما الذي يعنيه ذلك؟

يعني أولاً أن هذه السيدة وهذا الرجل سيشتبكان، كما هو حاصل الآن، في الانتخابات التمهيدية للحزبين الجمهوري والديموقراطي على غير العادة. سيتقاتلان على المنصات قبل أن يلتقيا فعلياً في نهاية حزيران (يونيو) المقبل. كلينتون ستتصارع مع بيرني ساندرز وفي الوقت ذاته ستمد ذراعها الحديدية لدونالد ترامب على الضفة الأخرى. ستتهمه بالجهل السياسي وعدم امتلاك الخبرة في معالجة القضايا السياسية الداخلية والخارجية. وهو من ناحيته سيخصص بعض الوقت للصراع مع مرشحي الحزب الجمهوري الآخرين، لكن الجزء الأكبر من نظره سيخصصه لملاحقة خصمه الرئيس في الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون. سيتحدث طوال الوقت عن خيبة أمل أميركا في سياستها الخارجية السابقة.

من النادر في الانتخابات الأميركية أن يشتبك المرشحون الديموقراطيون والجمهوريون مع بعضهم قبل إعلان مرشحي الرئاسة الرسمي لكل حزب، لكن لأن السيد هوفر ينشر ظله في هذه الأشهر، وجد كلا المرشحين في الآخر «صفة هوفرية» تستحق المغامرة وكسر العادة.

ويـــعني ثـــانـياً أن هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة ستأتي للبيت الأبيض بتصور كامل وغير قابل للمراجعة عن العلاقات الخارجية لأميركا. وزيرة الخارجية السابقة اكتسبت الخبرة الواسعة في العلاقات الدولية من خلال رعايتها الرسمية للاشتباكات الأميركية الخارجية مدة أربع سنوات (٢٠٠٩-٢٠١٣)، ثم عادت بعد ذلك لصنع نظريتها الخاصة في السنوات الأربع التي تلت (٢٠١٣-٢٠١٧)، وهي جاهزة اليوم لوضع الرؤية النهائية على طاولة العالم.

يعرف الجميع أن النظرية تسبق دائماً التطبيق، لكن في حال سبق التطبيق النظرية كما في حال هيلاري كلينتون، ثم جاء التطبيق الثاني بعد النظرية في شكل أكبر وبصلاحيات أوسع، فإن أصدقاء أميركا وأعداءها لن يحتاجوا إلى أكثر من شهر واحد ليعرفوا أين مكانهم بالضبط في المرحلة الأميركية الجديدة. لن تحتاج السيدة كلينتون إلى وزير خارجية منظر ومخطط ومنفذ في الوقت ذاته، وإنما ستحتاج إلى حامل رسائل جيد من النخبة الأميركية.

ويعني ثالثاً أن دونالد ترامب، المواطن الأميركي الغني المهووس بالإعلام سيحتاج إلى وقت طويل جداً ليضبط تردد تعاطيه مع أصدقاء وأعداء أميركا. سيحتاج ربما إلى أكثر من 500 أو 600 يوم ليعرف الطريق المناسب لإدارة مصالح أميركا خارجياً. ما يقوله اليوم السيد ترامب هو من صناعة مستشاريه المتحللين من أي قيود، لذا هو ينجح على الأقل موقتاً حتى الآن. لكن غداً في البيت الأبيض سيصطدم بالمستشارين المحكومين بالدستور الأميركي من جهة، والمصالح القومية الأميركية من جهة أخرى، وسيعود إلى دور المستمع الجيد والتنفيذي الذي يقدم رجلاً ويؤخر عشراً. وعلى عكس كلينتون سيختار وزير خارجية يفكر ويخطط وينفذ ويحمل النتائج - النتائج فقط لرئيسه. وقد يكون هذا الوزير هو بول ريان رئيس مجلس النواب الذي يلعب حالياً دور المتمنع وهو راغب.