&رضوان السيد
بمناسبة ما صار يُعرف بيوم المقاومة والتحرير، ألقى الأمين العام لـ«حزب الله» خطاباً، دعا فيه للتهدئة والحذر بالداخل، لأنّ الحزب الإيراني عنده مهمات انتصارية «تحدد المصائر لعشرات السنين القادمة»: في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين.. وفلسطين!
إنّ سؤال الرجل عن علاقته بالعراق وسوريا واليمن والبحرين وحتى فلسطين، هو مثل سؤال «داعش» و«القاعدة» عن علاقتهما بالعراق وسوريا واليمن وليبيا.. وأفغانستان وباكستان! إذ الواقع أنه لا منطق في ذلك كله ولا تاريخ ولا مستقبل. وإنما هؤلاء جميعاً، ومن يشبههم ويعمل أعمالهم في سيناء والصومال وبلدان القرن الأفريقي الأُخرى، ومناطق الساحل والصحراء، هؤلاء جميعاً ميليشيات تعمل على خراب البلدان والعمران وقتل الإنسان وتهجيره. إنها مثل عصابات المخدرات، وعصابات قطاع الطرق، لجهة التصرفات الإجرامية، لكنها أخطَر منها بمراحل، وذلك لأربعة أسباب: التبعية والعمل لجهات خارجية وداخلية، والدعاوى العقائدية أو الدينية، والدخول المباشر على الصراع الاستراتيجي حول المنطقة العربية، والإمعان في القتل والتخريب والتهجير بما يفوق مئات المرات ما تقوم به عصابات المخدرات عادةً !
تدعي كل تلك العصابات أن لديها دوافع وأهدافاً دينية. وهذا داء أصيب به الإسلام منذ ثلاثة عقودٍ وأكثر. وكانت الظواهر في البداية محدودة الحجم والأثر، لأنّ القائمين به وعليه كانوا متمردين مسلحين يعملون لحسابهم الخاص أو لحساب أحد زعمائهم وإنْ بدعاوى دينية. ثم جرى استخدام مجموعات من ذوي العقائديات الميليشياوية في أفغانستان من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، فصارت الميليشيات جيوشاً لها طموحات الاستيلاء على الدول والأوطان، بيد أن طرائقها ما تغيرت، بل ظلّت تعتمد في استيلائها على القتل والتهجير والنهب. إنها عصاباتٌ صارت تستولي على مناطق ودول، كما تفعل عصابات المخدرات في دولٍ بأميركا اللاتينية. وكانت لتلك الميليشيات تداخلات ومرجعيات خفية فلا يتبناها أحدٌ علناً. ثم ظهرت الموضة الإيرانية مستفيدةً من الموضة الفلسطينية، ومن تجارب ميليشيات الإسلام السني: إنشاء ميليشيات باسم تحرير فلسطين، صارت بعد فترةٍ وجيزة ميليشياتٍ متأيرنة بداخل عدة بلدانٍ عربية لتهديد الإنسان والعمران.
إنّ هذا لا يعني أنّ «داعش» و«القاعدة» ومتفرعاتهما ليست لها مرجعيات تتداخل معها وتتبادلان الإفادة والاستغلال. فبالأمس مثلاً اتهمت روسيا تركيا بمساعدة «داعش»، وتركيا تتهم روسيا دائماً بالاستفادة من الإرهابيين. بيد أن الفرق يبقى أنه لا أحد يعلن بفخر عن المشاركة في قتال «التكفيريين» وتهجيرهم في سوريا والعراق واليمن غير «حزب الله» والميليشيات الشيعية الأُخرى المشابهة، مَضيفاً لذلك أنه يريد من وراء القتل والقتال تغيير وجه المنطقة لعشرات السنين القادمة. و«تغيير الوجه» هذا تختلف معانيه ومراميه من وقت لآخر. بيد أن وجهه الأبرز في العامين الأخيرين: قتل العرب السنة وتهجيرهم للتحكم في الدول، فإن لم يمكن فشرذمتها ونشر الحروب الأهلية فيها. وتستعمل إيران في ذلك شبان الطوائف الشيعية في البلدان العربية والإسلامية. وكان الهدف المعلن من قبل إزعاج الولايات المتحدة، وإرغامها على عقد اتفاقاتٍ ملائمة مع إيران. أما اليوم فالهدف المعلن إزعاج المملكة العربية السعودية ومحاصرتها، والاستيلاء على بلدان المشرق العربية، فإن لم يمكن فتخريبها!
ولو تأملنا تصرفات «داعش» و«القاعدة»، وكل منهما يعلن أنه تنظيم سلفي غير بشوش مع الشيعة وإيران، لوجدنا أنهما لا يقومان ولا يعملان إلا في المناطق السنية التي ينصبُّ عليها القتل والتهجير من هؤلاء المتطرفين ومن الميليشيات الشيعة المتأيرنة معاً!
في ذكرى تحرير جنوب لبنان من إسرائيل، افتخر نصرالله بأنه لا يزال يعمل لمصلحة إيران في التخريب بالعراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين. بينما يفتخر «داعش» بالصمود في مناطق السنة بسوريا والعراق لحين اكتمال تخريبها من جانب الميليشيات الأُخرى. وإذا عرفنا أن مدينة الرقة السورية الواقعة تحت سيطرة «داعش» يريد الأميركيون أن تحررها ميليشيا كردية لا تختلف عن «داعش» ولا عن «حزب الله»، سهُل علينا الصراخ بالقول العربي السائر: عش رجباً تَرَ عجباً!
التعليقات