&يحيى مفرح الزهراني&
تتحد علاقة الأمن القومي بالاستراتيجية الوطنية في أن مفهوم الاستراتيجية، في أحد تعريفاته المختلفة، يعنى بتعبئة الموارد المجتمعية وتوحيدها، نحو تحقيق الأهداف، ويتضمن في ثناياه عددا من الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي تتفاعل مع المفهوم الشامل للأمن بمفهومه الشامل، لا سيما مع توسع هذا المفهوم ليشمل جوانب عدة ومرتكزات، وردت في نص "رؤية 2030".
&أما الأمن القومي فكما عرفه روبرت ماكنمارا بأنه التنمية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ظل حماية مضمونة. ولا شك أن الأمن القومي يتخطى الأمن الوطني في دائرة التعريف حيث يتخطى الأمن القومي المساحات الجغرافية التقليدية لتجاوز الحدود.&
وتلك الاستراتيجيات التي يسعى كل منها عن طريق الأهداف المتخصصة ومؤشرات الأداء، والتنسيق بين الجهات الحكومية ومبدأ المسؤولية المشتركة الوارد في "الرؤية"، لتحقيق الأهداف القومية، وهذه الاستراتيجيات رغم تخصصها، تترابط في ما بينها بحكم أنها تسعى لتحقيق الأهداف العريضة ذاتها، ولكن في مجالات مختلفة وبأدوات متعددة، ومن ثم، فإن الاستراتيجية الوطنية تجسد مفهوم الأمن القومي بما يتضمنه من خطط ومبادئ تعكس مكوناته.&
ومن نافلة القول إن الإجابة عن سؤال الهوية وتأثيرها في الأمن تظهر في "الرؤية"، لا سيما مع التقارب المعلوماتي والثقافي، وهنا أكدت "الرؤية" على الإرث الثقافي والتاريخي السعودي والعربي والإسلامي، وأهمية المحافظة عليه لتعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ القيم العربية والإسلامية الأصيلة. وفي هذا الهدف يتجلى لنا التحدي، في التعددية الثقافية والتأكيد على قيم التسامح الفكري وقيم المواطنة للجميع.&
وقد جاءت "الرؤية" لتؤكد ذلك عبر مرتكزاتها، حيث نصت على البعدين العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، والموقع الجغرافي الاستراتيجي، ولعل البعد الأول والثالث هما ما يطرحان عددا من التساؤلات والتحديات كذلك على البعد الخارجي، فالواقع الإقليمي حاليا يشهد عددا من الاضطرابات وعدم الاستقرار ما يستدعي التوخي، والبحث في تلك البيئات على مختلف أبعادها ومدى تأثيرها. ومن هنا نطرح سؤالا: كيف تؤثر وتتأثر الرؤية الاستراتيجية بالسياسية الخارجية؟ وكيف يمكن استخدام "الرؤية الوطنية 2030" لتكون جزءا من الحلول على المستوى الإقليمي وكذلك الدولي؟.&
وتتنوع أساليب التوظيف السياسي لعناصر القوة الاقتصادية لدولة ما في مواجهة الدول الخارجية. ومن أهم تلك الأساليب ما ذكره جوزف ناي حول القوة الناعمة والصلبة، مثل تقديم الإغراءات والحوافز الاقتصادية، والأسلوب القائم على توقيع عقوبات والجزاءات الاقتصادية.&
وبشكل مباشر تحاول كذلك الاستراتيجية لتعزيز الأمن الوطني عبر تطوير المدن، حيث توضح الاستراتيجية أنه على الرغم من الاضطرابات المحيطة بنا في المنطقة واتساع مساحة بلادنا، لا يتجاوز مستوى الجريمة نسبة (0٫8) لكل 100 ألف نسمة في السنة، مقارنة بالمعدل العالمي المقدر بـ (7٫6). سنعمل على المحافظة على هذا الأمان عبر تعزيز الجهود القائمة في مكافحة المخدرات، وسنتبنى إجراءات إضافية لضمان السلامة المرورية وتقليص حوادث الطرقات وآثارها. من الجدير بالذكر حول هذا الهدف تضمين مكافحة الإرهاب جزءا من الأهداف التي ينبغي تحقيقها من خلال الرؤية حتى تكون المملكة آمنة منه.&
نذكر أمثلة على الأهداف التي ينبغي العمل عليها لتضمن الازدهار للمواطنين، حيث تعتبر مظهرا اقتصاديا لكنه لن يتحقق دون وجود بيئة آمنة وجاذبة، ونأخذ مثلا الانتقال من المركز ٢٥ في مؤشر التنافسية العالمي إلى أحد المراكز العشرة الأولى ويقوم التقرير بتقييم قدرة الدول على تقديم الازدهار لمواطنيها. وهذا بدوره يعتمد على قدرة الدولة على الاستفادة من مصادرها المتاحة.&
من جهة أخرى، يعتبر الاستثمار في المواطنين وصحتهم أمرا غاية في الأهمية في تحقيق الأمن الصحي والاجتماعي كذلك، وإيجاد مجتمع صحيح وسليم، ولديه أوقات فراغ يقضيها بشكل مفيد ومنتج، وهنا يأتي هذا الهدف ارتفاع نسبة ممارسي الرياضة مرة على الأقل أسبوعيا من 13 في المائة إلى 40 في المائة، وبالتأكيد لن يتحقق هذا الهدف بمكون واحد وهي هيئة الرياضة أو اللجنة الأولمبية العربية السعودية، بل يستلزم كذلك شركاء أمثال وزارة التعليم، ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة الإسكان، وهنا تتحقق التنمية، عند تكاتف جهود عدد من القطاعات لتحقيق الأهداف مع الحرص على تناغم الاستراتيجيات والتكامل القطاعي.&
وفي المقابل، يشكل تحدي البيئة أحد أهم التحديات المستقبلية للأمن الوطني حيث تعاني المملكة شح موارد المياه، الذي بطبيعة الحال يؤثر في الغذاء، وطبيعة المناخ والتلوث كذلك التي أصبحت ذات أهمية في نمط الحياة الصحي الذي أكدت عليه "الرؤية" ما يستدعي جعلها ذات أولوية.&
لا شك أنه من خلال تلك الأهداف وغيرها أصبح تحقيق الأمن القومي يتجلى بمفهومه الواسع الذي لا يتعلق فقط بالأمن التقليدي بل يتجاوزه للأمن الإنساني وضمان الازدهار والاستدامة.
التعليقات