&عبدالله بن بجاد العتيبي&&

حركة دبلوماسية واستثمارية وإعلامية نشطةٌ تشهدها واشنطن أثناء زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للعاصمة وبعض المدن الرئيسية في أميركا.

منذ بزوغ نجم الأمير الشاب كقائدٍ سياسي، وهو يثير كثيرًا من الأسئلة لدى قادة العالم ومستثمريه الكبار ووسائل إعلامه ومراكز دراساته، الكل يريد التعرف عليه وعلى أفكاره ورؤاه، وعلى خططه ومشاريعه، وهو اليوم يصل إلى أميركا بعد أن أعلن رؤية السعودية 2030 ومشروع التحول الوطني 2020 في سلسلة من المشاريع سوف يتوالى الإعلان عنها تباعًا بحسب الرؤية.

في واشنطن توالت اللقاءات السياسية لولي ولي العهد السعودي من لقائه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض إلى لقاءاته مع وزير الدفاع ووزيرة التجارة وتواصل مستمرٍ مع قيادات مجلس النواب وأعضاء في الكونغرس، وصولاً إلى لقاءات مع وسائل إعلام ومراكز دراسات وتفكير، وترتيبات مع مستثمرين كبار.

لم يقتصر زخم الزيارة على نشاطات الأمير المهمة فحسب، بل على طبيعة نشاط الوفود المرافقة كذلك، بحيث توزعت الوفود ومسؤولوها وأفرادها على لقاءات وحواراتٍ جماعيةٍ وفرديةٍ شملت جميع المجالات، وكانت طبيعة النقاشات مفتوحةً على كل الأسئلة وكل المواضيع التي يرغب الجانب الأميركي في استيضاحها والوقوف على الأجوبة تجاهها، وعلى كل الفرص المتاحة لتطوير التعاون والشراكة الاستراتيجية.

الملفات الكبرى متعددة، ويقف على رأسها السعي لتمتين العلاقات التاريخية بين البلدين، وبناء أفقٍ أرحب للتعاون في المستقبل، وشراكة جديدة للقرن الحادي والعشرين، تبنى على شراكة القرن العشرين وتنطلق نحو مستقبلٍ جديدٍ للدولتين وللشعبين.

ملفات المنطقة الكبرى كانت حاضرة بقوةٍ إن في الملف السوري أو الملف اليمني أو ملف الإرهاب أو ملف التدخلات الخارجية في المنطقة، هناك كثير من نقاط الاتفاق التي يمكن البناء عليها، وهناك كثير من نقاط الاختلاف التي يتم نقاشها وتبادل الرأي بشأنها، فالحلفاء قد يختلفون ولكنهم يستمرون في الحوار وتقريب وجهات النظر.

يتم نقاش هذه الملفات مع كل التيارات والأحزاب ومراكز القوى والدراسات ووسائل الإعلام بشكل منفتح وعقلاني وواقعي، فالتدخلات الخارجية في المنطقة تتضح بأجلى صورها في التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية، لا بمعنى التدخل السياسي فحسب، بل بمعنى التدخل العسكري المنظّم عبر الحرس الثوري الإيراني كما يجري في العراق وفي سوريا، أو عبر الميليشيات التابعة لإيران مثل حزب الله اللبناني الإرهابي أو ميليشيا الحوثي في اليمن، وكذلك عبر سلسلةٍ من خلايا الإرهاب والتجسس التي ملأت كثيرًا من دول الخليج العربي.

لا تختلف السعودية مع أميركا تجاه محاولات لجم المشروع النووي الإيراني عبر الاتفاق النووي المعروف، ولكن السعودية تختلف كثيرًا تجاه الأدوار السيئة لإيران في دعم الإرهاب وميليشياته ودعم الفوضى والخراب، وهي أدوارٌ يجب أن توضع على الطاولة في أي نقاشٍ جادٍ، ولن يجدي أن يتم إخفاء معلوماتٍ عن علاقات إيران مع جماعات الإرهاب كـ«القاعدة» و«داعش» في بناء أي مستقبلٍ حقيقي لأي اتفاق، فالحقائق تكشف عن نفسها يومًا بعد يومٍ.

يجب الإقرار بأن إيران تمتلك مراكز ضغطٍ و«لوبي» نشطًا في واشنطن، وهي تغلغلت مبكرًا في مراكز التفكير والجامعات ووسائل الإعلام والجمعيات والمنظمات المدنية، وهو ما ينبغي أن يجابه لا ببناء مراكز ضغطٍ جديدةٍ بالمقابل بل بتفعيل ما هو موجود وإعادة تنسيق الجهود لتتضافر باتجاه واحدٍ يدعم مصالح السعودية ودول الخليج والدول العربية في واشنطن، وهو حديث يطول شرحه.

أصبحت قصة باليةً يتم ترديدها دون مضمونٍ حقيقي، وهي قصة الـ28 صفحةً من تقرير أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، فقد أوضحت السعودية عبر سنواتٍ وبموقفٍ ثابتٍ أنها ترحّب وتطالب بنشر تلك الصفحات لأن موقف السعودية واضحٌ وثابتٌ تجاه الإرهاب وجماعاته وتياراته، بل إنها اتخذت خطواتٍ متقدمةٍ في هذا المجال، بحيث لم تقتصر إدانتها للجماعات التي تمثل الخطوة الأخيرة للإرهاب كـ«القاعدة» و«داعش»، ولكنها جرّمت الجماعات التي تمثل جذور الإرهاب، وهي جماعات الإسلام السياسي التي تقف على رأسها جماعة الإخوان المسلمين.

يتم تكرار بعض الأفكار في النقاشات الجادة هذه الأيام، فمثلاً فكرة الديمقراطية، والأولوية بين التنمية والديمقراطية، وهل ينبغي للسعودية الانجراف خلف آلية الديمقراطية والقفز في الظلام أم إيجاد حلٍ خاصٍ بها في هذه المعادلة؟ وفي محاولة الجواب فإن الديمقراطية آليةٌ عمليةٌ تم التوصل إليها في السياق الحضاري الغربي كحلٍ جاء بعد تطورٍ فكري وفلسفي مرّ بثلاثة قرونٍ من التراكم ولم تحدث بين عشيةٍ وضحاها.

هذه واحدةٌ، والثانية هي أن الديمقراطية تنطلق من مبدأ العدالة ومبدأ الحرية ومبدأ المساواة، وبالتالي فالهدف هو هذه المبادئ وطرق تحقيقها وليس الشكل الذي تجلت فيه في بعض الدول، والثالثة أن من اعتقدوا لوهلةٍ أنها تشكل «نهاية التاريخ» كما كتب فوكوياما يومًا قد تراجعوا عن ذلك، والرابعة أن ثمة نماذج أخرى في العالم نجحت في بناء طريقها الخاص، مثل نموذج كوريا الجنوبية ونموذج سنغافورة وغيرها لم تتبع النموذج الغربي بحذافيره.

من هنا فإن أحد أفضل الحلول لهذه المعادلة هو بناء التنمية المتماسكة عبر الرؤى الكبرى والبرامج المساندة لها وآليات المراقبة ومعايير المحاسبة، وكلها معلنةٌ ومتاحة للجميع، كما يجري في السعودية، ويترافق مع النجاح فيها الاتجاه نحو تطويرٍ سياسي متدرجٍ يتناسب مع حجم النجاحات التي يتم تحقيقها لا أن تكون آلية الديمقراطية فقط هي الهدف والغاية في نفس الوقت.

هذا نموذجٌ للحوارات التي تدور على هامش الزيارة وأمثاله كثيرٌ، ولكن يجب التأكيد على أن زيارة الأمير لواشنطن قد جاءت هذه المرة واقتصاد السعودية يشهد تحولاً كبيرًا نحو بناء اقتصاد منتجٍ ومتعددٍ لا يعتمد كليًا على النفط فحسب، كما يأتي والسعودية قد أثبتت نفسها كفاعلٍ دوليٍ، وهي قد أصبحت مزارًا محببًا لكثير من دول العالم، فقارة أفريقيا ودولها الكثيرة والمهمة قد توالى زعماؤها على زيارة السعودية، وكذلك أكثر دول آسيا وكثير من الدول حول العالم.

أخيرًا، فالمسؤولون في واشنطن والمهتمون في شتى المجالات يسعون لفهمٍ أكبر لرؤية السعودية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 ويدعمون كل تطوير بهذا الاتجاه كما يرحبون بمواقف السعودية الجديدة والطريق الذي تسلكه نحو التقدم والرقي وبناء مستقبل جديدٍ.

&

&

&