&وحيد عبد المجيد
العودة عن الخطأ محمودة، لكن الاعتراف به فضيلة. وقد عادت الأمانة العامة للأمم المتحدة عن خطأ فادح ارتكبته في التقرير السنوي الخاص بمصير الأطفال ضحايا النزاعات المسلحة عام 2015. أخطأ معدو هذا التقرير، بقصد أو بدونه، عندما حمَّلوا التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن المسؤولية عن مقتل بعض الأطفال ضحايا الصراع في اليمن. وأخطأت الأمانة العامة للأمم المتحدة عندما نشرت التقرير على هذا النحو.
وأدى التحرك العربي السريع إلى مراجعة هذا الخطأ وتصحيحه، لكن دون الاعتراف به حتى الآن. وحاول ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في البداية تجنب إجراء تصحيح كامل عندما تحدث عن تعديلات في صياغة الجزء المتعلق باليمن، مع بقاء اللائحة على حالها.
لكن أمانة الأمم المتحدة لم تلبث أن تراجعت بفضل قوة موقف هذا التحالف والحجج التي قدمها، وقررت سحب اسمه من اللائحة. ومع ذلك حاول الأمين العام الإيحاء بأن هذا التراجع حدث نتيجة ضغوط. كما واصل المتحدث باسمه التلاعب بالكلمات عند تفسير التصحيح الذي حدث في التقرير بأنه يهدف إلى «مراجعة الوقائع والحالات التي وردت فيه».
ويُلحق موقف الأمانة العامة للأمم المتحدة على هذا النحو ضرراً بالجهود المبذولة من أجل التقدم نحو حل سلمي للأزمة اليمنية، لأنه يوجه رسالة خاطئة تدفع الانقلابيين لمزيد من التشدد اعتقاداً بأنهم يستطيعون خداع المجتمع الدولي. لذلك يتعارض هذا الموقف مع دور الأمم المتحدة عموماً، وخصوصاً مع قرارات مجلس الأمن التي تُحمِّل الانقلابيين المسؤولية عن تفاقم الأزمة، ويفرض عقوبات على أبرز قادتهم، وفي مقدمتها القرار 2216 الذي يتعاطى معه الأمين العام بشيء من الاستخفاف. كما يناقض هذا الموقف مبدأ الحياد التام الذي ينبغي أن يلتزم به الأمناء العامون للأمم المتحدة ومعاونوهم. وقد كانت هناك شكوك في هذا الحياد خلال الأشهر الماضية بسبب طريقة إدارة المبعوث الخاص للأمين العام الأزمةَ اليمنية، وأسلوب تعاطيه مع الحكومة الشرعية والانقلابيين كما لو أنهما متساويان سياسياً، أو من حيث المركز القانوني. وعلى الرغم من تعدد العوامل التي تؤدي إلى تعثر جهوده للتوصل إلى حل سلمي، ربما يكون تساهله الزائد تجاه الانقلابيين في مقدمة هذه العوامل لأنه يشجعهم على التمادي في تشددهم.
وإذا صح القول المأثور «رُب ضارة نافعة»، فلتكن قضية التقرير الخاص بالأطفال ضحايا النزاعات المسلحة مناسبة لتأمل موقف الأمانة العامة للأمم المتحدة من العرب وقضاياهم بوجه عام.
لم يجد العرب إنصافاً من الأمناء العامين للمنظمة الدولية بوجه عام، باستثناء فترة بطرس غالي (92-1996) الذي حُرم من ولاية ثانية لأنه كسر هذه القاعدة فصار الأمين العام الوحيد الذي لم يُجدد له لفترة ثانية.
لكن هذا الميل إلى عدم إنصاف العرب بلغ ذروته في عهد الأمين العام الحالي بان كي مون، رغم أن الأخطار المحدقة بمصالحهم وأمنهم وحقوقهم لا سابق لها، وليس لها مثيل في العالم اليوم. فقد لجأ للتعبير عن القلق في كل مرة كان يتعين عليه فيها إدانة تدخل في شؤون دولة عربية أو أخرى، أو اعتداء وقع عليها أو على مصالحها.
كما أن موقفه بشأن تقرير الأطفال ضحايا النزاعات ليس الأول الذي بدا فيه عدم الإنصاف سافراً. فقد ارتكب قبل شهور خطأً فادحاً آخر في حق المملكة المغربية عندما وصف علاقتها بإقليم الصحراء الغربية بـ«الاحتلال» خلال زيارة قام بها إلى مخيمات تيندوف. وكان من الطبيعي أن تتخذ الرباط موقفاً قوياً إزاء مخالفة الأمين العام الشرعية الدولية التي تدعم السياسة المغربية القائمة على منح هذا الإقليم حكماً ذاتياً. لذلك اضطر للتراجع بسرعة، لكن دون أن يعترف بالخطأ، إذ اكتفى بإعلان أن كلامه هو الذي فُهم خطأ.
لذلك ينبغي إجراء تنسيق بين عدد من الدول العربية التي تحظى بمكانة دولية للقيام بمهمتين ضروريتين؛ أولاهما عاجلة، وهي التأكد من أنه لن يحدث أي التفاف على التصحيح الواجب الذي حدث في تقرير الأطفال ضحايا النزاعات.
أما المهمة الثانية فهي الانخراط الفاعل في عملية انتخاب الأمين العام الجديد الذي سيخلف بان كي مون، ودعم المرشح الذي تتوخى فيه هذه الدول استعداداً لاتخاذ مواقف منصفة بشأن القضايا العربية.
التعليقات