حسن سلمان&

تونس &&قال الرئيس السابق ومؤسس حزب «حراك تونس الإرادة» منصف المرزوقي إن تونس تعيش اليوم أوضاعاً مشابهة للفترة التي مهدت لانقلاب زين العابدين بن علي على الرئيس السابق الحبيب بورقيبة عام 1987، واعتبر من جهة أخرى أن تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي لبلاده «ضربة لشرف تونس»، مشيراً إلى أنه تم بدون علمه وضد إرادته، وتحدث أيضاً عن وجود «دور إسرائيلي وتمويل إماراتي» لإجهاض الربيع العربي، محذراً من اضطرابات سياسية واجتماعية كبرى قد تمهد لعودة الاستبداد في تونس.

ووصف في حوار خاص مع «القدس العربي» ما يحدث حالياً في تونس بـأنه «مأساة في قالب مهزلة. رئيس وعد التونسيين بانطلاق الاقتصاد واستثمارات خيالية والنتيجة بعد أكثر من عام، نسبة نمو صفر وتحميل المسؤولية لرئيس الحكومة الذي عيّنه، وائتلاف يجتمع ليخرج أحدهم معلنا رفع الغطاء السياسي عن الصيد ويخرج الآخر ليكذّب. كل هذا في ظل فضائح فساد ومهازل وزراء يدشنون مقهى، وآخر يبرّر تأخّرنا عن المغرب في مجال الطاقات المتجددة بأنه ليس لنا الشمس والريح نفسهما الموجودان في المغرب”.

وحول اتهامه لحركة «النهضة» بالانقلاب على التحالف المبرم بينهما والتحالف مع حزب «نداء تونس»، قال المرزوقي «الباجي قائد السبسي قال في تصريح له لما سئل عن علاقته بالإسلاميين (حركة النهضة) إنه ليس متحالفاً معهم وإنما متعايش. استعملهم للوصول للسلطة ولا يشرفهم باعتبارهم حلفاء. القاعدة في السياسة كما في الحياة أن الذي يفقد اصدقاءه بدون أن يكسب أعداءه لا يذهب بعيداً. على كل حال ما يهمني الثبات على المبادئ والأحلام التي قامت من أجلها الثورة ومواصلة الطريق ولو قدّر لي أن أمشي عليه وحيداً وحافياً».

وكانت «النهضة» اعتبرت أن التصريحات المنسوبة للمرزوقي والتي «اتهم» فيها الجيش التونسي بمحاولة الانقلاب عام 2013 غير صحيحة، مشيرة إلى أن الجيش بريء من هذه التهمة.

وعلّق المرزوقي على ذلك بقوله «لها الحق ان تنفي شيئاً لم أقله، وإنما قلت دوماً عكسه، فبعد الانقلاب في مصر في 3 تموز (يوليو) 2013 وظهور حفتر في ليبيا، اقتنعت بأن الدور على تونس لن يتأخّر وفعلاً وقع اغتيال الشهيد البراهمي في 25 تموز/يوليو وانطلق حصار المجلس التأسيسي واشتعلت الحملة الاعلامية، وتوجه البعض بكل وقاحة للجيش مطالبين بالانقلاب، وطالب السبسي بمجلس رئاسي في قرطاج، طبعا بدوني، كل هذا خارج أي شرعية. الحمد لله فشلت محاولة نقل النموذج المصري لعدم توفّر عاملي نجاحه الأساسيين. وقلة قليلة من الشعب التونسي شاركت في المظاهرات ضد السلطة، والجيش، الذي غيرت قيادته هو والأمن الرئاسي في إطار صلاحياتي الدستورية، أظهر الانضباط والوطنية المعروفين عنه وفوّت الفرصة على المتآمرين، وكان ولا يزال (الجيش) درعاً للشرعية ولضمان تواصل الدولة المدنية».

وعن الجدل المثار حول تسليم رئيس الوزراء الليبي الأسبق البغدادي المحمودي لسلطات بلاده عام 2012، قال المرزوقي «هذا الأمر تمّ بغير علمي وضدّ إرادتي وكانت العملية ضربة قوية للثقة وللتحالف القائم يومها إضافة لكونها كانت ضربة لشرف تونس. وسأزودكم بمرفق يتضمن رفضي، وبخط اليد، لهذا الأمر».

ونفى، من جهة أخرى، ممارسته أية ضغوط على رئيس الأركان السابق الجنرال رشيد عمار لدفعه لتقديم استقالته في 2013، نافياً معرفته بوجود أي تحالف بين عمار ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي، في ذلك الوقت.

وحول إقالته لمحافظ البنك المركزي السابق مصطفى كمال النابلي، قال المرزوقي «ثمة مثل في تونس يقول: كل دولة يخدمها رجالها. وآخر من كان قادراً على خدمة دولة الثورة وفي ذلك المنصب هو السيد النابلي. لذلك أقلته ولم آسف يوماً على الأمر».

وكان المرزوقي تقدم بملفين لهيئة الحقيقة والكرامة يتعلقان بالمضايقات والانتهاكات التي تعرض لها وحزبه خلال حكم بن علي.

ويوضح هذا الأمر بقوله «لم أتقدم بملف شخصي وإنما بطلب كشف الحقيقة عما تعرضت له من انتهاكات جسيمة رابطة حقوق الانسان التي ترأستها من 1989 إلى 1994، والمؤتمر من أجل الجمهورية الذي ترأسته من 2001 إلى 2011. والنظام الجديد يعتبر الهيئة من مخلفات ما بعد الثورة وجهد لتعطيل مسارها وهو يحاول عبر ما يسميه قانون المصالحة الوطنية الالتفاف عليها، لذلك تقدمت بالقضيتين لتجديد دعمي المتواصل للهيئة».

وحول إمكانية «التصالح» بين الدولة التونسية ورموز النظام السابق وعلى رأسهم بن علي، قال المرزوقي «نحن مع المصالحة الوطنية الحقيقية وهي لا تكون إلا بعد المحاسبة الحقيقية وفي إطار القضاء المستقل وعمل هيئة الحقيقة والكرامة. ما عدا هذا مواصلة سياسة التحايل والتلاعب بالمصطلحات والتعدي على مشاعر الشعب. إنني أدعو كل الساعين للالتفاف على المؤسسات وإعادة توجيه معنى الكلمات ألا يبالغوا كثيراً في تقدير ذكائهم والاستخفاف بذكاء الآخرين».

على صعيد آخر، يبرر المرزوقي تأسيس حزب «حراك تونس الإرادة» قبل أشهر بقوله «دخلت قصر قرطاج بشرف وقمت بواجبي بشرف طيلة ثلاث سنوات وخرجت منه بشرف وبقيت في تونس لأنني لا أخشى محاسبة، ولم أتدخل في السياسة سنة كاملة لأعطي الفرصة للطاقم الجديد. كنت أقول لنفسي إن وضعوا البلاد على السكة انصرف للعمل الثقافي والحقوقي والتنموي وإن عادت الأفعى عدنا لها بالنعال، والأفعى هي الفساد الذي تغطى بالاستبداد، وفوتت علينا حركة النهضة فرصة ضربه بقوة إبان الأشهر الأولى في الحكم، وكان هذا من بين أسباب الجفوة والتباعد التي أدت للقطيعة الحالية. هذا الفساد هو الذي يلتحف اليوم بالديمقراطية ‘التوافقية”.

ويضيف «أليس ذا دلالة أن المبادرة التشريعية الوحيدة للسبسي مشروع قانون المصالحة مع الفساد وهو المشروع الذي أجهضته معارضة شديدة جاءت من كل الآفاق؟ اليوم تونس تتخبط بل تغرق في فساد غير مسبوق، فالاقتصاد مشلول والديمقراطية لعبة بين أحزاب وشركات ولوبيات سياسية، والاحباط واليأس والغضب هي مكونات الحالة النفسية للشعب. ونحن مقدمون، إن تواصل الأمر، على اضطرابات سياسية واجتماعية ستهزّ أركان استقرار مغشوش وبالغ الهشاشة وقد تقود لحالة من الفوضى العارمة التي ستعطي الذريعة لعودة الاستبداد أي لعودة النظام القديم بدون مساحيق».

ويتابع «هذه التحديات الكبرى الجديدة هي التي ولّدت الحراك وستولد غيره من الحركات السياسية والاجتماعية والشبابية لأن شعبنا الذي أَجهضت ثورته ليس من النوع الذي يستكين لفشل مهما كانت خطورته. وفي هذه الحالة واجبي يحتم علي مواصلة النضال لتحقيق الأحلام والأهداف التي قامت من أجلها الثورة حتى يكون للشعب على الأقل خيار تغيير جذري هذه المرة لكن، وهذا هو الأمر المهم بالنسبة لي، من داخل المنظومة الديمقراطية لا من خارجها لا قدّر الله».

وحول تقييمه لخمس سنوات من الثورات العربية، يقول المرزوقي «تمّ إجهاض الربيع العربي. والتخطيط (لهذا الأمر) متعدد الجهات الاستخباراتية وربما هناك دور اسرائيلي (خاصة في علاقة بمصر)…. التمويل إماراتي…. التنفيذ المحلي تُرك للسياسيين والإعلاميين الفاسدين. والمشكلة بالنسبة لغرف العمليات أن الثورة المضادة هي أيضا فشلت، فعودة النظام القديم لم ترجع إلا فلوله وشظاياه وسقط المتاع منه والفشل في حل مشاكل المجتمع في مصر أو في تونس اصبح حقيقة صارخة».

ويضيف «إذا لم ينجح الأصل القوي في السيطرة على الشعوب فكيف سينجح الفرع الضعيف خاصة وهو يعود أكثر من أي وقت مضى للفساد الذي ولّد الانفجار. نحن الآن في مرحلة توازن الضعفين، ضعف الثورة وضعف الثورة المضادة، لكن علينا انتظار تفاقم الازمات الاقتصادية والسياسية المقبلة، وستكتشف كل غرف العمليات أن التحكم في البراكين أمر فوق طاقتها».