&إمبراطورية إعلامية جديدة تنحني هامتها تحت سقف السلطة… والإحباط يرسم ملامحه على وجه السيسي


حسام عبد البصير

& خطب الرئيس السيسي في الجماهير مجدداً بمناسبة عزيزة على قلبه بالتأكيد، ألا وهي الذكرى الثالثة للثورة 30 يونيو/حزيران، حينما لبى الملايين مطلبه بمنحه تفويضاً لإنهاء حكم الجماعة، الملايين التي تواجه الآن شظف الحياة وقسوتها، وتتقلص أحلامها عند رغيف خبز وحبة دواء، وأن يمر الشهر على خير بدون اللجوء للاقتراض، على إثر تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتردي حال العملة الوطنية، الأمر الذي قد يؤدي إلى صراع طبقي غير مأمون العواقب.


خطاب الرئيس، الذي غلبت عليه نغمة التحلي بالصبر واحتمال الجوع، كشف عن قلق مشوب بالتوجس، بدت ملامحه متجسدة على وجه الرئيس، ما جعل الكثيرين يقارنون بين هذا الظهور شبه التراجيدي له وحاله قبل ثلاثة أعوام حينما بدا طاووساً، بايعه الجميع على أن يعبروا معه البحر، فإذا بسفينة الوطن بعد ثلاثة أعوام على ثورة 30 يونيو تتقاذفها الأمواج ويحيط بها المجهول، وإذ بأحلام الرئيس تمشي الهوينا على الأرض، بعد أن كادت تلامس عنان السماء.. واختزل الحلم من «بكره تشوفوا مصر قد الدنيا» لحد «مش هناكل علشان نبني البلد!».
تركت كلمات الرئيس ظلالها لدى قطاع عريض من الناس، خاصة أولئك الذين يثقون في صدق مشاعره وحجم التهديد الذي يواجه البلد، الذي لم يحصد بعد ثمار ثورتيه، وبات يواجه أزمات غير مسبوقة.
بالأمس نشرت الصحف المصرية، على صدر صفحاتها الأول، تصريحات الرئيس. وكان الحديث عن قدرتنا على التصدي للجوع والصبر عليه لا يتفق تماماً وإعلانات كعك العيد، الذي بلغ سعر الكيلوغرام منه في بعض المحلات مئة وعشرين جنيهاً ويتهافت على شرائه الأثرياء، فيما خلّف تصريح آخر للرئيس عن مرحلة الشك في اليقين التي مر بها في إحدى مراحل عمره جدلاً واسعاً، بخلاف احتدام مشاكل ندرة مياه الري وأزمة طلبة الثانوية العامة الغاضبين بسبب تسرب الامتحانات، وإلى التفاصيل:

الشعب لن يأكل ولن ينام

أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر أمانة في رقاب كل المصريين، محذرا الشعب من الاختلاف أو أن يضحك عليه أو يخدعه أحد، بما يتسبب في ضياع البلاد أو يحاول هدمها. ووفقاً لـ«الأهرام» أضاف الرئيس في اختتام الاحتفال الفني بذكرى ثورة 30 يونيو/حزيران في دار الأوبرا، أن مصر مكانتها أكبر بكثير وأعز بكثير من المكانة التي تتبوأها حاليا، قائلا:« يعني مناكلش ومنامش حتى تاخد مصر مكانتها الحقيقية بين الأمم.. ومازال قدامنا كتير حتى تكون بلادنا في الموقع الذي يليق بها.. وما يحدث حاليا لا يليق بمصر». وأضاف: «أنا واحد منكم وبحلم زيكم.. ومصر لا تعتدي على أحد ولا تنهب أحدا»، موضحا أن ما تحقق من إنجازات خلال العامين السابقين هو حقيقة ولكن لا يزال أمامنا الكثير لتحقيق الحلم الحقيقي، مؤكدا أن ما تحقق خطوة من ألف خطوة.
وأوضح أن تلبية القوات المسلحة للنداء جاء لكونه جيش شعب مصر، قائلا: «الشعب والجيش يد واحدة.. ولما الشعب يأمر الجيش يلبي النداء»، وأضاف أنه عندما تمت تلبية النداء طلب من الشعب التفويض في 24 يوليو/تموز 2013 بهدف التأكيد على إرادة المواطنين، وقد لبى المصريون النداء في 26 يوليو. وقال الرئيس إنه محمل برسالة من مصر تقول لكم إنها كانت سبب وجودكم على مدار 7 آلاف عام، وتطلب منكم أن تحافظوا عليها لـ7 آلاف سنة أخرى مقبلة، وأكد الرئيس أن الانتصار ليس بالكلام فقط ولكن بالعمل والإخلاص فيه. وكان الرئيس قد شهد الاحتفالية التي نظمتها وزارتا الثقافة والشباب والرياضة، وأشرفت عليها دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتورة إيناس عبد الدايم وحملت اسم «ثورة شعب» بمشاركة 500 فنان من مختلف الفرق الفنية».

النسر حينما يتواضع

قبل ثلاثة أعوام كان الرئيس السيسي يتحدث لأمته بثقة كبيرة على عكس حاله أخيراً فما الذي جرى.. جمال سلطان عنده الخبر اليقين في «المصريون»: «اختلف المشهد تماما، واختلفت الصورة، واختلفت المشاعر، بين خطاب «الفريق أول» عبد الفتاح السيسي أمام المصريين في وسط عام 2013 بعد إطاحة مرسي «مصر أم الدنيا وها تبقى أد الدنيا، وبكره تشوفوا مصر»، وبين خطاب «الرئيس» عبد الفتاح السيسي في أواسط 2016 الذي يمكن تلخيصه في نداء استغاثة للمصريين «لا تتركونا نغرق»، انتقل المشهد من الطموح بلا حدود والوعود الجازمة بأن مصر العظيمة مقبلة خلال شهور تحمل العظمة والرفاه والنهضة لشعبها، وبين المشهد الذي رآه المصريون في احتفالية 30 يونيو، التي شهدها السيسي في دار الأوبرا، حيث كان الإحباط يرسم ملامحه على الوجوه، وعلى وجه السيسي تحديدا، ولغة التواضع الشديد والهلع من أن نظل «في الحوجة للآخرين» ولغة الاستعطاف للشعب، ولغة الصبر على البلاء والفقر والجوع «ما نكلش آه ما نكلش»، فارق كبير بين المشهدين، ربما يلخص لنا حصاد تجربة ثلاث سنوات منذ وقف مسار ثورة يناير/كانون الثاني الحقيقي.
السيسي كان صادقا تماما في «استغاثته» بالمصريين، وإعلانه بأنه «محتاج» إليهم أكثر من أي وقت مضى، ولكن المشكلة تبقى في أن هؤلاء المصريين الذين يستغيث بهم ويحملهم كامل المسؤولية أصبحوا مهمشين ومهدروي الكرامة، وأن هناك شعبين الآن بالفعل في مصر. هناك شعب يمثل أجهزة محدودة يستند إليها السيسي في السيطرة على كامل الأوضاع لها كامل الرفاه والرعاية والحقوق والكرامة والسيادة، وبقية الشعب وهم ملايينه الكاسحة، مهمشون ومطلوب منهم، هم فقط، التضحية. مشكلة السيسي، حسب الكاتب، هي الاحتياج الحقيقي للشعب والخوف منه في الوقت نفسه، وتجربة مبارك ومرسي تمثل هاجسا يقض مضاجعه».

أغاني الخمسينيات في احتفالات يونيو

ونبقى مع الموضوع نفسه، فقد أكد الدكتور مصطفى كامل السيد – أستاذ العلوم السياسية – أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يبدُ مستمتعًا خلال الكلمة التي ألقاها أمس بمناسبة مرور ثلاث سنوات على ذكرى 30 يونيو/حزيران. وقال السيد في تدوينة عبر حسابه الشخصي في «فيسبوك»: «بالمصادفة البحتة عثرت في احتفال 30 يونيو على القناة الأولى، وتملكني الفضول لمتابعته».. مضيفًا: «لم أشهده منذ البداية، ولكن استمتعت بأغاني أم كلثوم ونجاح سلام تغنيها أخريات بالطبع ممن لا أعرف أسماءهن بسبب جهلي. وتأملت البون الشاسع بين أوضاعنا الحالية وسياق ظهور أغاني مثل «مصر التي في خاطري»، و«وقف الخلق» و«ثوار» و«يا أحلى اسم في الوجود» بحسب رأيه. وأضاف: «تصوروا الشدو بأغنية (ثوار) في حضرة الرئيس السيسي، أو وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي، في وقت يصنف نظام التعليم في مصر على أنه من بين الأسوأ في العالم، أو أغنية اللبنانية نجاح سلام يا أغلى اسم في الوجود، بعد أيام من الترحيل المخزي للبنانية أخرى هي ليليان داود» بحسب تعبيره. وأضاف: «كنت شغوفًا بملاحظة تعبيرات وجه الرئيس السيسي، الذي لم يبدُ أنه كان مستمتعا بكل هذه الأغاني إلا الفقرة الأخيرة التي أداها الأطفال وهم يحددون معني الانتصار».. مستدركًا: «تأكدت استنتاجاتي بالكلمة القصيرة التي ألقاها الرئيس، الذي لاحظ أن تلك كانت أغاني الخمسينيات والستينيات، وأكد أن مصر ليست الآن في الموضع الذي يليق بها في الوقت الحاضر، ولكن هل تلك هي مسـؤولية الشعب وحده؟ أم أن اختيارات الحكومة وأداءها لهما دور في ذلك؟ الرئيس بتوجهه للمصريين كما يقول وكأنه يلقي المسؤولية كلها على (المصريين)» حسب رأيه».

روسيا ليست رومانسية

يشعر كثير من المصريين بالصدمة لأن الرئيس الروسي لم يكن سخياً معهم، رغم تقدير السيسي له، وهو الأمر الذي يعالجه عماد الدين حسين في «الشروق»: «في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2015 تحطمت طائرة الركاب الروسية فوق سيناء، وبعدها بأيام قليلة أوقفت روسيا كل رحلاتها الجوية ليس إلى شرم الشيخ فقط، بل إلى كل المطارات المصرية، مقتدية بالقرار البريطاني الذي اتخذ خطوة مماثلة، ولكن بطريقة أكثر فظاظة، خلال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى لندن في ٤ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
حتى هذه اللحظة فإن الكثير من المصريين لا يستطعيون فهم الخطوة الروسية، خصوصا أن موسكو لا تريد أن تعطي موعدا محددا لعودة طائراتها وسائحيها، رغم أن مصر اتخذت إجراءات كثيرة لتأمين المطارات. المصريون الذين يفكرون بهذه الطريقة، مازالوا يفكرون بطريقة عاطفية، هم يستدعون حالة العلاقات المصرية ــ الروسية «السوفييتية في ذلك الوقت». لكن السوفييت أصيبوا بصدمة كبرى حينما طرد السادات خبراءهم في صيف 1972 من دون حتى أن يحصل على ثمن من أمريكا، ذلك زمن انتهى وولى، كما يؤكد الكاتب ويبدو أنه لن يعود. علاقات البلدين وأي بلدين يفترض أنها تقوم على المصالح فقط، وهذا ليس عيبا طالما أنه يلبي مصالح الطرفين. المصريون العاطفيون يتساءلون مندهشين: كيف تستمر روسيا في منع سائحيها وطائراتها من المجيء لمصر كي تساعدها في حلحلة الأزمة الخانق التي تعانيها السياحة، في حين أن موسكو قررت قبل أيام استئناف العلاقات الكاملة مع تركيا وأعادت السائحين إلى منتجعاتها، واستأنفت استقبال السلع التركية. دهشة المصريين لا تتوقف عند هذا الأمر، بل تزداد حينما يتم اتخاذ القرار الروسي بالتقارب مع تركيا بعد أقل من 24 ساعة من الهجوم الإرهابي الدموي على مطار اسطنبول ومقتل حوالي 40 شخصا وإصابة العشرات؟».

شجاعة أم زلة لسان؟

في تصريح هو الأخطر من نوعه للرئيس على هامش احتفالات ليلة القدر أكد أنه ظل يقرأ ويبحث لمدة خمس سنوات لتجديد اختياره للدين الذي يعتقده. «من المؤكد أن ما فعله الرئيس السيسي، وفق ما يراه سامح عيد في «التحرير»، من الناحية الفلسفية شيء مهم جدا، ليس لجموع الناس ولكن للخواص منهم، فالكثيرون ربما الأفيد لهم الإيمان الوراثي، ولكن الخواص ربما لا يكتفون بالإيمان الوراثي، وهذا ما فعله العالم الصوفي الكبير أبو حامد الغزالي، الذي نظَّر لمنهج الشك قبل أن ينظّر له ديكارت، وقال لقد ولدت فوجدت ابن اليهودي يهوديا وابن المسيحي مسيحيا وابن المسلم مسلما، فلجأ إلى البحث والشك، ليصل إلى الإيمان، حتى إنه اعتبر أن الإيمان الوراثي هو إيمان منقوص، لأنه لم يبن على بحث وتحقق، واعتبر أن الإيمان الحقيقي الذي يجيء بعد شك، ولذلك فتجربة السيسي في هذا المجال مهمة، وعليه أن يروي تفاصيلها على مدار خمس سنوات كاملة بما يتجاوز الألف وثمانمئة يوم، في حالة بحث وقراءة وتفكر، ماذا قرأ وإلى ماذا اهتدى في نهاية قراءته، ولماذا امتد الأمر كل تلك الفترة، وما الحقائق التي وصل إليها، خاصة أن كلامه عن قبول الآخر والتسامح ينبئ عن تلك الثقافة المتنوعة التي حصل عليها من قراءاته. المؤسف، حسب الكاتب، أن هذا الجزء من الخطاب تم حذفه من الفيديو في قرار غريب يثير الريبة، هل هم غير راضين عما فعله الرئيس، أم غير راضين عن تصريحه بذلك، أم أنهم خائفون من ردود الأفعال، والفهم الخاطئ؟ فإذا كانوا خائفين من سوء التأويل والفهم الخاطئ، فعليهم أن يوضحوا للناس وجهة نظر الرئيس وتجربته المثيرة للاهتمام».

أي دين كان يعتنق؟

تصريحات الرئيس هذه عرضته لهجوم شنه محمد يوسف عدس في «الشعب»: «في الاحتفال بليلة القدر زعم أنه ظل يفكر ويبحث خمس سنوات حتى اعتنق الإسلام، وفى رواية أخرى حتى رجع إلى الإسلام.. (ولا ندري ماذا كان دينه قبل أن يهتدي إلى الإسلام..؟) هل كان يهوديًّا – بحسب نظرية بعض المجتهدين في علم الجينات – أم كان ملحدًا لا دين له؟ بحسب ظاهر الحال من كلامه عن الإسلام والمسلمين، ومن ظاهر أعماله واختياراته لوزرائه ومساعديه من الملحدين والمارقين، والمحاربين لدين الله ومساجده.. زعم كذلك في خطابه – وبدون مناسبة- أن هناك 600 ألف حديث منسوبة إلى النبي «رقم فلكي لا يمكن التّثبت من صحته» ولا يمكن أن يكون صحيحا.. ولكن المهم أنه قال إن العلماء القدامى رفضوا هذه الأحاديث ولم يقبلوها.. ويخلص من هذه المقدمة إلى استنتاجه بأننا يجب أن نسير على هذا النهج في التشّكك والرفض للتراث الديني.. يتابع الكاتب هجومه ثم يثير من جديد قضية التطرف الإسلامي وينسب إليه كل الجرائم التي تحدث حول العالم.. وتقضّ مضاجع البشر، التي – فيما- يزعم شوّهت وجه الإسلام والمسلمين.. وهكذا بدا الإسلام – في خطابه- وكأنه سبب المصائب والدماء البريئة التي تراق في كل بلاد الدنيا..».

على شرف المعبد اليهودي

الأجواء الرمضانية تتنوع في القاهرة وبعضها يشد الانتباه كتناول الإفطار داخل المعبد اليهودي، وهو الأمر الذي حدث مع محمد أبو الغار في «المصري اليوم»: «سعدت عندما تلقيت دعوة من السيدة ماجدة هارون، رئيسة الجالية اليهودية، والأستاذ ألبير إريه على حفل إفطار في المعبد اليهودي التاريخي (بوابة السماء) في شارع عدلي وسط القاهرة. وقد افتتح المعبد في عام 1908، ويعتبر معبداً مهماً في تاريخ اليهود في القرن العشرين. وكان الإفطار رائعاً، حضرته مجموعة من المصريين، منهم د. رفعت السعيد، ود. محمود الخيال، ود. علي السمان، والسفيرة مشيرة خطاب، والدكتور روبرتو أورفاللي، ومجموعة من السفراء الأجانب. وبعد الإفطار قمنا بجولة في المعبد والمكتبة التاريخية الموجودة فيه، وقدمت الحفل الصحافية أمينة شفيق. وشرحت السيدة ماجدة مشروع «نقطة اللبن» لترميم وإصلاح المعبد اليهودي في عدلي وإنشاء مركز ثقافي في معبد مصر الجديدة. و«نقطة اللبن» هي جمعية أهلية أنشئت في عام 1920 وأقامها أغنياء اليهود المصريين بغرض العناية بأطفال اليهود الفقراء، الذين كانوا يعانون من نقص التغذية، وكانت تقدم وجبات للأطفال، وامتد الأمر لإنشاء مدارس لتعليم أطفال اليهود، وكان ذلك في عشرينيات القرن الماضي. والآن يريدون إحياء هذه الجمعية لإصلاح المعابد والآثار اليهودية. ويرى ابو الغار أن ترميم معبد عدلي هو عمل مهم للتراث المصري، خاصة أن يهود بروكلين حاولوا أن ينقلوا تراث هذا المعبد إلى نيويورك، ولكن الجالية المصرية الصغيرة رفضت ذلك، واعتبرت أن المعبد أثر مصري يجب الحفاظ عليه. وأكد الكاتب أن السيدة ماجدة هارون، رئيسة الجالية، هي ابنة المحامي المصري الشهير شحاتة هارون الذي كان مصرياً وطنياً حتى النخاع ورفض الهجرة من مصر تحت أي ظرف من الظروف، وكتب في وصيته أنه يرفض أن يحضر حاخام من إسرائيل للصلاة عليه».

أفراح في مجلس الدولة

الأفراح تتواصل بين النخب العمالية بعد صدور حكم قضائي مهم، يتعلق بالحريات النقابية والطبقة العاملة وبالمجتمع المدني إجمالا. ويقصد به كارم يحيى في «الأهرام» حكم محكمة القضاء الإداري في 26 يونيو/حزيران الماضي برفض دعوى رئيس اتحاد نقابات العمال (الرسمي) لإلغاء النقابات المستقلة وبإحالة مواد في قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 استندت إليها هذه الدعوى للمحكمة الدستورية. حقا تأخر ظهور النقابات العمالية المستقلة عندنا طويلا، رغم الأخذ صراحة بالانفتاح الاقتصادي منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي والانطلاق في سياسات الليبرالية الجديدة مع التسعينيات. وهكذا بقي العمال بلا تنظيمات نقابية تمثلهم بحق وتقوم بالمفاوضة الجماعية في مواجهة نظام رأسمالي كامل الأوصاف، بل زاد من توحشه هذا الزواج غير المسبوق بين المال والسلطة في عهد مبارك، تحت عنوان رأسمالية المحاسيب، ولم تظهر النقابات المستقلة في بلادنا إلا في سياق النضالات العمالية مع العقد الأول من الألفية. وكان أبرزها إضرابات عمال غزل المحلة اعتبارا من عام 2006 واعتصام موظفي الضرائب العقارية أمام مجلس الوزراء 2007. وهي نضالات وقف ضدها اتحاد نقابات العمال أو لم يكن معنيا بها.
وهو الذي لم يبرأ من تبعيته للسلطة السياسية وأمراض البيروقراطية النقابية منذ تأسيسه عام 1957. ولهذا برزت من رحم الإضرابات وغيرها من النضالات قيادات جديدة خارج الاتحاد، أسست لاحقا النقابات المستقلة كي تسعى لسد فراغ متعدد الأوجه. فقد ذهبت تقديرات إلى أن غالبية العاملين بأجر وبنسبة تقارب 80٪ خارج عضوية الاتحاد الرسمي ونحو 90٪ من منشآت العمل بلا تنظيم نقابي. كما نشأت هذه النقابات المستقلة في مواقع للاتحاد وفي مواجهته نتيجة التخلي عن قضايا العمال والتنكر لنضالاتهم».

الماضي لا يعود

الحديث عن احتكار الإعلام والسيطرة على عقول الناس ما زال بعض سدنة النظام يظنونه هدفاً ممكناً، وهو ما يسخر منه مصطفى النجار في «المصري اليوم»: «ربما كان هذا ممكنا بعض الشيء قبل ظهور الإعلام الحديث الذي صنعته ثورة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ربما كان الإعلام الموجه إحدى أدوات الحرب والتأثير في بدايات ومنتصف القرن العشرين، لكن ونحن ننطلق إلى عالم تسطر ملامحه ثورة الاتصالات فالإعلام الموجه يصبح وبالا على صاحبه، إذ إنه ينمطه لدى الجمهور المستهدف ويفقده مصداقيته. تميز الإعلام الموجه قبل ذلك بأنه مملوك للدولة الرسمية عبر إعلامها الحكومي والقومي، لكن بظهور الإعلام الخاص غير المملوك للدولة بدأت أجندات إعلامية جديدة في الظهور لها علاقة بتوجهات ومصالح أصحاب رأس المال، لكن سرعان ما تزاوج رأس المال مع السلطة وأسفرت العلاقة بينهما عن ظهور نمط جديد من الإعلام يمكن أن نسميه (الإعلام الرأسمالي الحكومي) أو (الإعلام الهجين) الذي تتلاقى فيه مصالح السلطة مع رأس المال بالرضا والتوافق، أو الإجبار والغصب. تنمو الآن في مصر امبراطورية إعلامية جديدة تنحني هامتها تحت سقف السلطة وتوجهاتها وخطوطها الحمر، ومن يتابع المحتوى والمضمون الإعلامي في مصر، يرى بوضوح أن الغرفة التي يخرج منها المحتوى الذي تنقله وسائل إعلامية مختلفة هو محتوى واحد مهما اختلفت القوالب التي يتم تقديمها فيه. ويؤكد النجار أنه يتم ضخ مبالغ مالية هائلة لتحقيق هذه السيطرة المزعومة، لكن الباعث على السخرية أن هذا جهد لا فائدة منه ويشبه من ذهب للبحر ليملأ الماء بإناء مثقوب، كلما ملأه وجده فارغا، من يحاولون فعل ذلك يفكرون بعقلية الستينيات وما قبلها، ولا يدركون أن وسائل الإعلام التقليدية فقدت أغلب تأثيرها وأنها ستمضى للزوال»

الأزمة الإعلامية تتفاقم

ونبقى مع أزمة الإعلام حيث يعترف نقيب الصحافيين الأسبق مكرم محمد أحمد في «الأهرام» بـ«وجود فوضى في التناول المهني لمشكلات الإعلام والصحافة والدور الصحيح الذي ينبغي أن تقوم به المؤسسات القائمة عليهما، وحسب الكاتب فقد نسي الكثيرون أسئلة جوهرية وأساسية تشكل إجاباتها خريطة الطريق الصحيح لعملية الإصلاح، مركزين على قضايا أخرى أغلبها يتعلق بالشكل لا بالمضمون! بين الاسئلة المنسية، لماذا لا تجرؤ المؤسسات النقابية على التطبيق الصارم لمواثيق الشرف الصحافي رغم إلحاح الجميع على خطورة هذه القضية؟ ولماذا تظل أبواب التعيين وظهور إصدارات جديدة يذهب أغلب مطبوعاتها إلى الدشت في الصحف القومية، بدون أي ضوابط اقتصادية وكأنه مال سائب؟

وهل يجوز أن تصل علاقات الصحافيين بمؤسساتهم إلى هذا الدرك المؤسف الذي نراه بوضوح كامل في بعض الصحف الخاصة؟ وإلى متى تستطيع الحكومة المحدودة الموارد أن تنفق هذه المليارات على إعالة صحافة لا تستطيع عون نفسها؟ وهل يجوز أن يبقى هؤلاء الآلاف من الصحافيين الشبان تحت التمرين سنوات تطول إلى 15 عاما، بدون أن يتم تعيينهم ومن أين يرتزقون كسبا حلالا؟ ولماذا لا نجعل من مجالس إدارات الصحف القومية مجالس إدارات حقيقية تُحاسب سنويا على الفشل والمكسب والخسارة؟ وما هي أسلم الأساليب لتعيين رؤساء تحرير ومجالس الإدارات بما يحفظ للصحافة حقها في الاستقلال؟ وما هو الهدف من تعيين رئيس تحرير صحافي ورئيس مجلس إدارة صحافي في مؤسسة واحدة سوى أن تتبدد مصالح المؤسسة في صراع الطرفين؟ ولماذا لا نعطي العيش لخبازه بحيث يتولى قضية الإدارة عضو منتدب لديه إلمام كاف بقضايا الاقتصاد والإدارة، وأخيرا لماذا هبط توزيع الصحف المصرية إلى هذا الحد المزعج».

فلسطين هل تتكلم التركية؟

نتحول للقضية الأهم في حياة العرب، حيث يؤكد خالد عكاشة في «الوطن» على «أن الإدارة الأمريكية أبلغت الجانب الإسرائيلي أخيراً بأن ملف قطاع غزة حان الوقت لإعلانه ملفاً تركياً خالصاً، والدوافع الأمريكية لذلك ربما يطول سرد عناوينها، لكن الأهم في توقيت هذا الإخطار، التوقيت بالطبع له علاقة بالفترة الرمادية التي ستدخلها الإدارة الأمريكية الحالية بسبب انتخابات الرئاسة، وهي تنزع أي جدية يمكن لأطراف أخرى متضررة من هذا القرار أن تلجأ إليها تعديلاً أو تصحيحاً، فيمكن السماح بفترة اختبار للوضع الجديد حتى تصل الإدارة الجديدة لمقاعدها، وللتوقيت علاقة أيضاً بمتغيرات الإقليم، خاصة المتعلق بالملف السورى مؤخراً، جزء واحد فقط في الدوافع هو تشكيل أمريكي لما ظلت تسوق له بأن يكون الوكيل الحصري للمنطقة تركيا، وقد مر هذا الطرح الأمريكي بمحطات ومنعرجات صعوداً وهبوطاً أدى به إلى التعثر، على خلفية أحداث سوريا والحرب على الإرهاب، وما هو متعلق بثورة 30 يونيو/حزيران ونظام الرئيس السيسي، ولهذا السبب كان الإبلاغ الأمريكي لإسرائيل مقروناً بالحرص على تجاوز الجانب المصري وسلطة رام الله من هذا المستجد. ويشير الكاتب إلى أن ما كان يتم العمل عليه سابقاً بهذا الشأن كان يتمثل في الرغبة «التركية/ القطرية» لانتزاع الملف الفلسطيني من اليد المصرية، وطوال عامين مضيا قدما العديد من المشروعات التي صاغت كيفية خروج قطاع غزة من التداخل المصري، عبر الالتفاف على كروت القوة التاريخية والتناغم ما بين القاهرة ورام الله في ما يخص القضية الفلسطينية برمتها، وهذا النزع يطلق رصاصة الرحمة على قضية العرب المركزية ويشكل ضغطاً هائلاً على القاهرة في تداعياته المتوقعة، المشروعات المشار إليها كانت تستميل إسرائيل المتمنعة بتقديم حلول لأوضاع مستديمة تخص القطاع».

الزعيم لا يشيب

للمرة الأولى يستخدم محمود الكردوسي زاويته التي يطلق عليها في «الوطن» كرباج للمديح وليس للهجاء، إذ أغدق على نجم الكوميديا عادل إمام المزيد من الثناء: «يظل عادل إمام فوق مستوى أي تصنيف، تجاوز الممثل والنجم والـ«سوبر ستار» وجلس متربعاً على مقعد «الزعيم»: هكذا عوض به «الفن» ما لم تستطع السياسة أن تعوضه منذ غياب عبدالناصر. لم يعد السؤال.. ماذا يقدم عادل إمام؟ أي «موضوع» يمثله، وأي «رسالة» سياسية أو اجتماعية يستهدفها، هل أعجبك تمثيله في هذا الفيلم أو ذاك المسلسل.. أم لا؟
عادل تجاوز هذه الأسئلة. ويؤكد الكاتب أن عادل عنوان رئيسي لكل مرحلة عبر نصف قرن من تاريخ مصر الحديث، وكلي أمل أن أقرأ مذكراته في كتاب: هذا واجب لا يستطيع ولا يملك أن يحرمنا منه. عادل – في الدراما كما في الواقع- «جذر» حتى لو كان ابتسامة في كادر، والآخرون (حيث يكون بينهم) قبس من روحه التي لا تيأس ولا تشيخ. عادل إمام – من «الأستاذ دسوقي» إلى «مأمون وشركاه»- رجل الدولة وقوتها الناعمة.. المستنيرة».

تشويه صورة الإسلام

ونبقى مع عادل امام ولكن هذه المرة يتعرض لهجوم طاغ من قبل حلمي قاعود في «الشعب»: «السؤال المهم الذي يردده الناس لماذا ينشغل عادل إمام بالإسلام وتقديمه في صورة الدين الشرير، الذي يدعو إلى القتل والدم والكراهية، ويخلو من الابتسام والتفاعل مع الطبيعة بتلقائية وإنسانية؟ ثم يزعم أنه يدعو إلى التسامح بين الأديان؟

دأب عادل إمام في أفلامه ومسلسلاته على تقديم الإسلام في صورة شريرة وقبيحة ودموية وانتهازية. يقدم المسلم شريرا لا عهد له ولا ميثاق، انتهازيا منافقا رخيصا يظهر ما لا يبطن، يحب الظلم والدم، ويعمل لحساب جهات مجهولة لا يعلمها أحد، علماؤه متنطعون سيئون منافقون يهوون الشهرة والدعاية، يعيشون في قرون مظلمة تشبه القرون الوسطى الأوروبية، فضلا عن صورة المسلم الإرهابي التي روج لها على مستوى العالم اليهود الغزاة والصليبيون المتوحشون.. ويمكنك أن تطالع هذه الملامح الشريرة في أفلامه: «الإرهاب والكباب، الإرهابي، طيور الظلام، بخيت وعديلة، الواد محروس بتاع الوزير، مرجان أحمد مرجان، حسن ومرقص..». كما يمكنك قراءة هذه الملامح في مسلسلاته: «فرقة ناجي عطا الله، العراف، صاحب السعادة، استاذ ورئيس قسم، مأمون وشركاه..».

عادل إمام حريص على أن يتقرب إلى النظام العسكري الدمـــوي الفاشي بكل الوســــائل، ليحــمى مصالحه وأمـــواله ومستقبله أو ما تبقى من مستقبله، ومن الصعب أن تنتظر منه مثلا موقفا يشبه موقف اللاعب محمد أبو تريكة من قضايا الحرية والكرامة الوطنية والإسلامية. أبو تريكة تمت مصادرة أمــــواله وشركــاته لأنه لم يركع للانقلاب، ولكن عادل إمام كان من السابقين إلى الركوع، ليس الآن ولكن منذ زمان بعيد».