&&فـــؤاد مطـــر&&

على خطى الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، تمت خطوة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع مسجلاً في إطلالته التي شملت الأقاصي الآسيوية حضورًا بالغ التميز، وإبرام اتفاقات تندرج ضمن «رؤية المملكة 2030» وبما يعزز الشراكة الاقتصادية بين السعودية واليابان، الدولتيْن الركنيْن الأساسيين في الفضاء الاقتصادي والاستثماري الدولي، فضلاً عن تعزيز التعاون في مجال صيغة جديدة على الصعيد العسكري، هي «التفاهم الروحي». وهذا الاستحداث النوعي للعلاقة بين المملكة واليابان أوجبته في الدرجة الأولى «رؤية المملكة 2030»، التي تشكل تجربة النهوض الاقتصادي لليابان الخارجة من حرب أنهكتها وويلات لحقت بها من الضربة الذرية الأميركية، عنصر تحفيز لإنجاز مراحل الرؤية، فضلاً عن أن التعاون يثمر أكثر ويكون الجنى أسرع للسعودية، عندما يكون مع دولة متقدمة صناعيًا وإلكترونيًا، وفي الوقت نفسه لا أطماع خارجية لها ولا هي متورطة في لعبة الصراعات كتلك التي ذهبت إليها روسيا طرفًا محاربًا في الورطة السورية التي تحتاج إلى من يسدي النصح للنظام، ويحفزه من أجل الأخذ بتسوية متوازنة تصون البلاد وتطمئن العباد، وليس إلى ما ألحقه عمدًا بسوريا من تدمير وتهجير وضحايا بالألوف.

ولكن الذي أقدم عليه الرئيس بوتين كان اقتحامًا لدولة، مانحًا نفسه حق أن تضرب الطائرات أرضًا ليست لبلده وتلحق الدمار بأحياء من دون أي رحمة بالسكان.

وما يقال عن اليابان ذات النظام الإمبراطوري رمزًا، الرئاسي إدارةً للدولة، من حيث الاطمئنان إلى تطوير العلاقة معها، ينطبق في بعض جوانبه على الصين المحطة التي تعيش منذ ربع قرن حالة يجوز تسميتها «الثورة الاقتصادية» تصحيحًا لـ«الثورة الثقافية» التي كادت في أواخر سنوات الحقبة الماوتسنغية، تحوِّل هذه الدولة الأشبه بقارة إلى أن تكون مثل كوريا الشمالية الآن، ثم تتبدل الأمور، ويبدأ النهوض الاقتصادي والانفتاح على العالم من دون التوقف عن تطوير الشأن العسكري للصين. وهنا تبدو المفارقة بين روسيا ذات الشأن العسكري المتقدم الذي توظفه في تدخلات خارجية، والصين التي تحصر شأنها العسكري المتقدم في محيطها الإقليمي. وعندما يتأمل المرء في المشهد الماثل أمامه، فمن الطبيعي في هذه الحالة أن ترتاح دولة ذات شأن في محيطها العربي والإقليمي إلى العلاقة مع الصين، وتكون نسبة الحذر الضمني من هذه العلاقة قليلة جدًا.

وعند التأمل في المحادثات التي أجراها ولي ولي العهد السعودي خلال زيارته للصين والاتفاقات التي تم إبرامها وشملت مختلف القطاعات التي تعزز العلاقات من جهة وتثري بعض بنود «رؤية المملكة 2030»، يخرج المرء بانطباع أن الطرفيْن لا يقولان شيئًا، وإنما ينظر كل طرف للآخر نظرة المقتنع بتطوير العلاقة والطمأنينة إلى أنها بعيدة عن نيات مبيتة، وإلى ذلك، فإن الذي يبعث على الطمأنينة أن النظرة المشترَكة للتطوير المأمول يتم من القمة كقرار، نزولاً إلى المستويات التنفيذية ووفق رؤية مسبقة للتطوير.

ونحن عندما نقول إن الإطلالة السعودية الثالثة على أقاصي الشرق جاءت من أجل التأكيد أن النظرة السعودية إلى أهمية تمتين الروابط مع الدولتيْن القطبين، اليابان المكتملة النمو الاقتصادي والصناعي والتكنولوجي، والصين السائرة بانطلاقة ملحوظة في اتجاه النمو، وإلى درجة السعي الحثيث لبلوغ المنتهى الأميركي اقتصاديًا، إنما هي امتداد لما بدأه الملك عبد الله عندما بدأ يوم الخميس 2 فبراير (شباط) 2006، جولة إلى أقاصي الشرق بدأها بالصين وكان يترأسها، زمنذاك، الإصلاحي هو جينتاو. ومع أنها كانت إذا جاز القول زيارة استكشافية، فإن الملك عبد الله استوقفه التواضع لدى القيادة الصينية، وعاد بانطباع أن هذه الصين التي هي عميدة دول العالم من حيث المساحة وعدد السكان يمكنها باستمرار السلوك المتواضع لقيادتها أن تقام معها أفضل أنواع الصداقة وأنزه التعامل، في شتى المجالات التي تحقق التطوير الخالي من الشوائب. وهو قبل أن يغادر سجل خطوة تركت أطيب الأثر في نفوس القيادة الصينية وتمثلت بقوله أمام البرلمان: «إننا نعتز بصداقتنا مع الصين ونؤكد التزامنا بمبدأ الصين الواحدة. كما أننا نعدُّ الصين بلدًا صديقًا، ولذا أحببتُ أن تكون أول زيارة للصين التي لا نكُن لها إلا كل خير ومحبة وصداقة، وإن شاء الله ستسير الأمور السياسية والاقتصادية على مستوى عال، وهذا ما أتمناه ويتمناه الأصدقاء في الصين...».

وإلى هذه الخطوة التي حفرت الود العميق في نفوس رموز القيادة الصينية كانت هنالك الخطوة التي تفيد على المدى الأقرب، وتمثلت بالتوجيه من أجل أن يتابع طلاب سعوديون الدراسة في الصين، ما دامت الصين تشجع شرائح من الموظفين وطلاب المعاهد العليا على تعلُّم العربية. وكلتاهما من الخطوات التي ستفيد كثير الإفادة النقلة النوعية في العلاقة السعودية - الصينية في ضوء الزيارة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وسمع من أهل الحُكْم الصيني عبارات من نوعية تلك العبارات التي سمعها الملك عبد الله من رئيس الصين.

وكما أن زيارة الملك عبد الله الاستكشافية للصين، أسست، إذا جاز القول، من أجل البناء عليها، وهذا ما سيحدث في ضوء زيارة الأمير محمد الذي ذهب إلى الصين حاملاً الرؤية الاقتصادية التي تتشابه من حيث الهدف المنشود بـ«الثورة الاقتصادية» التي يقوم بها خلفاء حقبة ماو تسي تونغ وأحدثهم الرئيس الحالي شي جين بينغ، فإن الزيارة التي قام بها والده، وكان ما زال وليًا للعهد إلى اليابان (الثلاثاء 18 فبراير 2014) أسست هي الأُخرى بدورها من أجل البناء عليها، ولقد أكدت الاتفاقات التي أبرمها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته اليابان أن البناء سيكون شامخًا ومتطورًا بسرعة قياسية. ولقد رأى رموز الحُكْم في اليابان إمبراطورًا، وولي عهد، حكومة، ووزيرة دفاع، وعمدة طوكيو، ذات الستة عشر مليون نسمة في زائرهم الأمير محمد، وفيما سمعوه منه من كلام، صورة والده الملك الذي زارهم قبل سنتيْن وكانوا سعداء بما يسمعونه منهم لجهة التأكيد أن العلاقة بين البلديْن التي بدأت قبل 58 سنة ستأخذ طريقها بوتيرة أسرع نحو مزيد من التطوير، خصوصًا أنها طوال هذه السنوات لم تشهد ما يعكر صفاءها، وهذا جعل زيارة الأمير محمد بن سلمان تلقى ارتياحًا يفرضه صِدْق المشاعر إلى جانب دقة البروتوكول بشقيْه الإمبراطوري والرئاسي.

نصل إلى القول في ضوء المشاركة الأُولى للأمير محمد في قمة العشرين وكذلك في ضوء إطلالته للمرة الأُولى على قطبي النهوض الصناعي والاقتصادي في أقاصي الشرق الصين واليابان، إن الأمير أمام أدق أنواع التحدي، وإن تسويقه «رؤية 2030» الذي يتم على مستوى أهل القمة على أمل في أن تشق الرؤية طريقها بمنأى عن التعقيدات.

&

&