محمد الساعد

خلال الأسابيع الماضية حدثت تحولات سياسية، وإعادة تموضع عميقة في المنطقة، أقل ما يقال عنها صاخبة ومروعة، وأقرب ما تكون للانقلاب على الحلفاء، من أن تكون سياسة مصالح.

صحيح أن ألف باء السياسة تقول إن لا عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، لكن عادة ما يأخذ الارتحال السياسي من موقف لآخر وقته الكافي، وإلا تم حسابه كخديعة.

لنتذكر معا بعضا من التحالفات التي تغيرت في الشرق الأوسط على مدى السنوات العشر الماضية، متتبعين أحداثا بعينها، لتعطينا إضاءات تكشف جزءا يسيرا مما يحصل اليوم.

بشار الأسد كان يقود ما يسمى بحلف «الممانعة» في المنطقة، وفي تعريفها السياسي، هي تلك الدول التي ادعت يوما ما أنها تقاوم المشروع «الأمريكي الصهيوني» في المنطقة.

انضم تحت لواء ذلك التحالف كل من «إيران وحزب الله وجماعة الإخوان المسلمين وحماس والجهاد وقناة الجزيرة»، وساندها إعلام «الصاجات» كصحيفة القدس العربي، والميادين، والعالم، لاحقا.

اكتملت معالم ذلك الحلف صباح اغتيال رفيق الحريري المحسوب على السياسة السعودية المعتدلة، وشن الممانعون حربا شرسة ضد الحريري والسعودية مستبقين الحادثة، ومهيئين المناخ العام لقبولها والدفاع عنها، لقد استطاع إعلام «الصاجات» لفلفة العالم العربي ووضعه في جيبهم الصغير، مبرئين ساحتهم من الاغتيال، وما لحقها بعد ذلك من عار الدم والخيانة.

على هامش الحلف الممانع، ارتمى في أحضانهم بعض مطلقات اليسار والبقية الباقية من البعثيين والقومجية ومثقفي عرب الشمال، ليشكلوا هم أيضا «حلف المماتعة والممانعة».

استمر حلف الممانعة يكبر ويتشكل، حتى بدء هجوم حزب الله على بيروت واستباحته للأحياء السنية في 7 أيار 2008، وقتها وقف إعلام الممانعة بقيادة الجزيرة، وراء «حسن»، وكان أشد على سنة بيروت من رصاص وحمم الحزب.

كان الممانعون يمارسون فتوتهم في المنطقة، ولم لا؟.. ولديهم الأموال والميليشيا والدول والإعلام الرخيص، لقد تحولوا لمجموعة من الطائشين الذين أصابهم غرور أولاد الحارة، فانهالوا على مصر والأردن والسعودية خيانة وتشويها واتهاما.

لكن الأقدار ومصادفات «الحق» لا تترك شيئا، فأولاد «الحارة» الشامية، وفتوات الضاحية، اختلفوا حول اقتسام كعكعة العالم العربي، الذي ظنوه ينهار بين أيديهم.

اليوم وبعد مرور ست سنوات من الاختلاف والخيانات بين فتوات «الممانعة»، يعود الممانعون للتحالف من جديد مع بشار نفسه، ويجدون الوقت ليجلسوا معه والصفح عنه، نعم تاجروا بالقتلى واللاجئين، نعم حرضوهم للخروج والاحتجاج، لكن ذلك لا شيء في عالم «النخاسة».

كيف يستطيع حلف «الممانعة»، وإعلام «الصاجات»، مصافحة بشار وإعادة تعويمه، ولا يقبلون أن يبتسموا في وجه مصر، وكف الشرور عنها، ومحاولة إغراقها وتدميرها.

هل نعرف لماذا؟؟

لأن مصر حليفة للسعودية، وهم يتسامحون مع كائن من كان، إذا استمر في عداوته للمملكة، ولو قتل وشرد الملايين، فلا الدماء ولا الحريات تقض مضاجعهم.

فعلوها مع حسني مبارك الذي استمر في حلفه مع الرياض منذ 1982 وحتى صبيحة الانقلاب عليه، ويفعلونها الآن مع مصر وجيشها عقابا لها، يقتلونها معنويا، ويعزلونها سياسيا ويصهينونها، ويضعون فيها كل الموبقات، ولو كانت «تخون»، لغفروا لها واحتضنوها.