فهيد العديم

مشاكلنا مع إيران جاءت بسبب تطرفها وممارستها الإرهاب وتهديد أمننا، وليس بسبب عقيدتها، ولو تخلت إيران عن عنجهيتها وأحلامها التوسعية، لتعاملنا معها كما نتعامل مع أي دولة في هذا العالم.

الكتابة عن موضوع الصراع السني الشيعي، مهما بلغت خفة ورشاقة أبجدية الكاتب، فإنه في أحسن الأحوال سيقال عنه "رويبضة"، ممن لم يعجبهم ما سيقال من الطائفتين، وصفة "رويبضة" هي الأخف وطأة، لأنها تعني أن صاحبها جاهل أخرق لم يرتقِ بعد ليصل إلى مرحلة "تمييع الدين" و"دس السم في العسل"، وكأن مناحل العالم الإسلامي حولت الأرض إلى أنهار من عسل. 
ولن أطيل في هذه المقدمة التي تتوسل من القارئ أن يخلع نعليّ كل انطباع مسبق إن أراد ذلك! 

لهذا، سأغلق وحي المقدمات لأفتح سؤالا لا أزعم أنني أستطيع في مساحة مقال أن أُحيط بكل تاريخه، ورغم عدم جِدة السؤال، لكنني أراه مهما في هذه المرحلة: هل ما يجري صراع بين الفكر الشيعي والفكر السنّي، أم إنه صراع سياسي؟

للإجابة عن هذه السؤال، سأتجاوز تاريخية الصراع، وإن كنت أرى أن التحول في المذهب الشيعي هو مع قيام الدولة الصفوية (1501م)، وهذا ما يذهب إليه أحد أهم المفكرين الشيعة (علي شريعتي) الذي يعتبره البعض ملهم الثورة، يقول في كتابه (التشيع العلوي، والتشيع الصفوي): "كان على الحركة الصفوية ورجال الدين المرتبطين بها، أن يعملوا كل ما من شأنه التوفيق بين القومية الإيرانية والدين الإسلامي، ولتبدو الوطنية والقومية الإيرانية بوشاح ديني أخضر، وفي هذا الصدد أعلن بين عشية وضحاها أن الصفويين –أحفاد الشيخ صفيّ– هم (سادةٌ) من حيث النسب أي أحفاد للنبي محمد! وتحول المذهب الصوفي فجأة إلى مذهب شيعي، وصار الفقيه والمحدث بدائل عن المرشد والبديل، وتلبس الصفويون بلباس ولاية علي ونيابة الإمام والانتقام من أعداء أهل البيت.

وفي ظل كل هذه المحاولات، كان الهدف الأصلي هو إضفاء طابع مذهبي على الحالة القومية، وبعث القومية الإيرانية وإحيائها تحت ستار الموالاة والتشيع. 

نتيجة هذا التغيّر المذهبي، نشأ في إيران تغيّر اجتماعي وثقافي نتيجة حرص الحركة الصفوية على تعطيل أو تبديل كثير من الشعائر والسنن والطقوس الدينية، وإهمال كثير من المظاهر الإسلامية المشتركة مع عموم المسلمين".

أي بشكل آخر، إن الدولة الصفوية مزجت بين التشيع والقومية الفارسية، فنتج عن ذلك تشيع سياسي جديد، فُصّل كي يخدم السياسة التوسعية للصفويين، وبقي هذا "المذهب المسخ" الذي ما زالت تمارسه إيران، فتقدم نفسها كحامية للمذهب الشيعي في العالم، فيما هي في الحقيقة من شوّهت التشيّع، وبالرجوع إلى تاريخ الصفوية، نعرف كيف أعدمت الدولة الصفوية العلماء الشيعة، وكيف أجبرت الناس على لعن بعض الصحابة وتغيير الأذان، وغيره كثير. 

وإيران الآن، تمارس الدور نفسه، وتحاول أن تحقق حلم الهيمنة والتوسع، خلال استغلال المذهب "الصفوي"، وهذا يجيب عن نصف السؤال الذي طرحناه قبل قليل: هل خلافنا مع إيران مذهبي أم سياسي؟

ويمكن أن نعيد صياغة السؤال ليكون: لو كانت إيران سنيّة وتحاول تقويض أمننا وفرض هيمنتها على الجميع، هل سينتهي الخلاف؟

مشكلتنا مع إيران هو بسبب تطرفها وممارستها الإرهاب، وتهديد أمننا، وليس بسبب عقيدتها، ولو عادت إيران وتخلت عن عنجهيتها وسفورها وأحلامها التوسعية، لتعاملنا معها كما نتعامل مع أي دولة في هذا العالم.

لو تعاملنا مع القضية من هذه الزاوية، لما وجدنا من بعض الأخوة العرب في منصّات التواصل الاجتماعي، ممن يحاول أن يقسّم المجتمع السعودي إلى سنّة وشيعة، بل حتى من بعض الأكاديميين والمثقفين السعوديين الذي ينادون: أيها المثقف الشيعي لماذا لا تتبرأ من المتطرفين الشيعة كما تبرأنا من ابن لادن والظواهري؟!

مؤلم جدا أن نكون كسعوديين فئتين، فأي عمل يستهدف أمن بلادنا هو عمل دنيء نقف جميعنا ضده، قبل أن نعرف هوية وطائفة من قام به، فلماذا أصبح البديهي أن إعلان البراءة من الإرهابي واجب على طائفته، ولم يكن البديهي أننا كلنا ضد الإرهاب الذي لا دين له قبل أن تكون له طائفة؟

أُحسن الظن في نوايا من يطلب أن تتبرأ كل طائفة من إرهابي محسوب على مذهب معين، لكن حتى بعد إعلان البراءة ستستمر الهمهمة: (تقية)!

أخيرا.. لماذا ترعبني قراءة المسألة من هذه الزواية؟ لأن ذلك ما تريده إيران. 
يقول الإمام الغزالي: (ليس من الضروري أن تكون عميلا لتخدم عدوك.. يكفي أن تكون غبيا)!