سمير عطا الله

نشأنا في لبنان على حكايات وموسيقى «الدانوب الأزرق». وفي الترحال الطويل لم أبلغ فيينا إلا عام 1972. وأول ما أردت أن أشاهده هو زرقة الدانوب. لكنني وجدته معكّرًا، أغبر اللون، وحزينًا، ليس فيه شيء من موسيقى باخ. الأمثولة: حاذر أن تحب الأشياء من ألوانها في الروايات الإمبراطورية أو في بطاقات البريد.
لكنني لم أرد أن يقف شيء بيني وبين بوينس آيرس: نهر البلاتا الأشبه ببحر، والمكتبة الوطنية التي كان أمينها خورخي لويس بورخيس، شاعر البلاد. والأماكن التي عاشت فيها إيفيتا بيرون، سيدة الفقراء والمعوزين. لكن، مثل لون الدانوب، بدأ الحلم يخيب شيئًا فشيئًا. صحيح أن البلاتا مثل بحر، لكنه آسن ومليء بزعيق البواخر، وضفافه ساحة للجريمة والمافيا. وشاعر الأرجنتين الكبير أوصى بأن يُدفن في جنيف وليس على جانب المكتبة الوطنية في بوينس آيرس. وأما آثار إيفيتا، فالأمر متوقف على الحزب البيروني، مرة يفوز ويدمر ما سبق، ومرة يخسر ويدمره من لحق.
ذات مرة استيقظت في فندق «الميريديان» في ليماسول، وخرجت إلى ساحته، ففوجئت برئيس الأرجنتين حينها، كارلوس منعم وصحبه. كان فخامته في «الشورت» الرياضي، وهو رجل نحيل وقليل الطول، فبدا الهندام الرياضي غير مناسب على الإطلاق. إطلاقًا.. إطلاقًا. كذلك كان مع فريق المساعدين هاتف لاسلكي خاص من النوع الذي يستخدمه الرؤساء الأميركيون لكي لا يستطيع أحد التنصت على مكالماتهم حول مصير العالم.

لكن همي من المسألة كان أن أطرح على فخامته بضعة أسئلة بصفته سوري الأصل. وكان مقتضبًا مثل هندامه، فتعللت بأنني على موعد في المدينة، ومضيت. كان والد منعم من يبرود، التي لي فيها أصدقاء أعزاء. وقد انضم الابن إلى الحزب البيروني بسبب شعبيته كلاعب كرة قدم. وبهذه الشهرة أصبح رئيسًا للأرجنتين، ولم يكن عهده ميمونًا.
وهنا أختم المسلسل الأرجنتيني، لأنني لو مضيت فلن أتوقف. وأخشى على جنابكم من الملل. كله إلا هذا.