عبدالله موسى الطاير
نحن نستنكف أن يكتب التاريخ يوما أن بلادنا وضعت يدها بيد معتوه يدعي العصمة. كما أننا على يقين أنه لا عاصم في يوم قريب للولي الفقيه من غضب الشعب الإيراني
ولماذا نتحاور مع إيران؟
صرح الأمير محمد بن سلمان لمجلة فورن أفيرز بأنه لا حوار مع طهران، فلماذا الرفض السعودي للحوار؟ إيران بلد جار جغرافيا، ويتقاسم معنا قيما مشتركة، مع تمايز طبيعي يصبغ دول المنطقة بعروبتها وفارسيتها وتركمانيتها وكرديتها. ولقد تعايشت المملكة مع إيران طويلا؛ حيث تتأزم العلاقات وتنفرج حين كان في طهران قرار واحد.
يعي الأمير أن إيران منذ عام 1979م تدير السياسة برأسين، أحدهما خرج من صناديق الانتخابات وهو مخصص للاستهلاك المحلي وتتفاهم من خلاله مع الغرب، ويشكلون طيفا سياسيا مألوفا في الممارسة الغربية بين أقصى اليمين الذي شغله أحمدي نجاد، والوسط الذي احتله رفسنجاني، ويسار الوسط الذي تبوأه محمد حسن خاتمي لبعض الوقت. ذلك التنوع يحدث ضمن حدود الولاية؛ فعندما يتطرفون فإنما يتماهون مع طبيعة النظام المتشدد، وعندما يعتدلون ويُعلون شأن الإصلاح فإنهم يجمّلون صورة النظام أمام العالم. أما الرأس الثاني فيتخذ من إيران هذا البلد الكبير، بتقاليده وثقافته العريقة جحرا يطل من خلاله على العالم الإسلامي من حوله بأنيابه التي تغرس سمها في المجتمعات والدول المستقرة فتؤول إلى خراب، وتتحول أثرا بعد عين.
فرخت الأفعى بيضها في لبنان، ففقس ثعابين تنهش في جسده الطائفي الممزق أصلا، وكذلك فعلت في اليمن. أما العراق فتسلمته جسدا جريحا على نقالة أميركية فأعملت فيه سمومها حتى تحول إلى بلد مفكك الأشلاء، ينحر بعضه بعضا، ولن تسمح لجراحه أن تلتئم لأنها تشعر بأن العرب الشيعة لن يكونوا يوما في ركابها إن هم تذوقوا طعم الاستقرار.
الحوار مع حكومة منتخبة لا تملك من أمرها شيئا هو مضيعة للوقت، ولن يأتي بجديد. والحوار مع الولي الفقيه لا طريق إليه، وحتى ولو كان طريقه معبدا فإننا لا ندخل جحر التآمر على الشعب الإيراني وشعوب المنطقة؛ نحن نستنكف أن يكتب التاريخ يوما أن بلادنا وضعت يدها بيد معتوه يدعي العصمة. كما أننا على يقين أنه لا عاصم في يوم قريب للولي الفقيه من غضب الشعب الإيراني الذي يتفلت من حبائل الشيطان يوما بعد آخر، فكيف لنا أن نكون غدا مع هذا الشعب وقد كنا بالأمس في مخدع الولي الفقيه؟
الخبرة السياسية التراكمية لدى القيادة السعودية شهدت تهاوي الشعارات وأصحابها بعد أن أوردت الشعوب المهالك؛ فعبد الناصر بقي في السلطة 18 عاما ثم رحل وبلده محتلة بعد أن غرّب جيشه ويمّن يفتعل الثورات ويدعم الانقلابات، والقذافي حكم ليبيا 42 عاما أضاع فيها مقدرات شعبه على تمويل الثورات وادعاء البطولات، ثم رحل عن بلد محطم حتى البنى التحتية لم تكن تناسب دولة نفطية عصرية، وسلالة الأسد التي حكمت سورية حتى الآن أكثر من 46 سنة يوشكون على تدمير سورية التي لم يبق لهم فيها سوى بعض دمشق، وكذلك كان صدام حسين الذي حكم العراق أكثر من 23 عاما ثم دمّر فيها شعبه بعد أن اعتدى على جارة صغرى صديقة فالتهمها في وضح النهار.
الخبرة السياسية السعودية تستحضر كل هذا التاريخ البائس للعنتريات التي أوردت قادتها وشعوبها المهالك. وبحساباتها وحدسها فإن نظام الملالي يغذ المسير إلى زبالة التاريخ. وإذا كانت السعودية تؤمن بحتمية مصير المتهورين الذي ساقوا شعوبهم ومقدرات بلدانهم إلى العدم، فإنها لا ترفض الحوار مع إيران لتعيد إنتاج شعارات جوفاء وادعاء بطولات من ورق لطالما انتقدتها، ولكنها تدرك حقيقة أنه لا حوار مع بلد لم يحسم أمره بعد ليختار الرأس الذي يمثله ويمكن الحوار معها. نريد نظاما برأس وحيد في إيران ويكون في مستوى البشر حتى نسمح له بالحوار معنا.
التعليقات