خالد غزال

كما كان متوقعاً، لم يصمد وقف النار في سورية، وجرى اختراقه في شكل رئيسي من قوى النظام والميليشيات التابعة لإيران. قد لا يعني ذلك انهياراً كاملاً، لأن القوى التي أقرته، اي روسيا وتركيا، ستسعى الى إعادة تفعيله، تمهيداً للمفاوضات التي ستجرى في عاصمة كازاخستان هذا الشهر وفي جنيف في الشهر المقبل. السؤال الفعلي المطروح الآن، هل يمكن هذا الاتفاق ان يحقق الهدف من إعلانه اي إنجاز تسوية تنهي الحرب السورية؟ وما الألغام المزروعة في وجه هذه التسوية؟.

ليس من شك أن روسيا وتركيا ترغبان في إنجاز تسوية، فروسيا تعتبر أنها حققت الكثير من المهمات التي وضعتها لنفسها في سورية. صحيح أنها لم تستطع إنهاء الحرب على كل الأراضي السورية، لكنها أنقذت، بتدخلها العسكري الضخم، النظام الأسدي من السقوط، كما حققت نصراً مادياً ورمزياً من خلال استعادة مدينة حلب من المعارضة. كل التصريحات والممارسات العملية توحي بأن روسيا لا تريد التورط أكثر في الحرب السورية، ولا تريد ان تتحول سورية الى أفغانستان أخرى لجنودها. 

على رغم أن الإجراءات بتخفيف الوجود العسكري الجاري الآن لا يمكن التعويل عليها في وصفها خروجاً روسياً من سورية، إلا أنها تبقى إشارة مهمة تعلنها روسيا عن حدود مساهمتها في الحرب السورية. السؤال المطروح على روسيا، هو عن مدى إمكانها فرض تسوية في سورية مستندة الى «الانتصارات» التي حققتها، في وقت لا تزال معظم الأراضي السورية خارج نفوذ النظام والقوى الداعمة له. الشك كبير في هذا المجال.

القوة الثانية في الاتفاق هي تركيا. لا شك في أن الأتراك يرغبون في تسوية تمنع عنهم امتداد النار السورية الى أراضيهم، ومنع الأكراد من إقامة حكم ذاتي بدأ يلهب القومية الكردية داخل تركيا ويدغدغ أحلام «الدولة الكردية». لكن هل يسمح موقع تركيا وحدود تدخلها العسكري بفرض تسوية، وهي العنصر الأضعف في هذه الحرب الدائرة؟ بالتأكيد الجواب سلبي، وما تتنطح له تركيا لا يتوافق مع موقعها وميزان القوى على الأرض. في كل حال، كان تعليق بشار الأسد على الدور التركي هو الاستهزاء عبر قوله: «ان تركيا دولة هشة».

يبقى أصل الموضوع في التسوية، أي النظامين السوري والإيراني. والألغام التي بدأت تنفجر في وجه التسوية مصدرها النظامان اللذان لا يرغبان بالمطلق في تسوية، ويصران على هزيمة كاملة لقوى المعارضة واستعادة كامل الأراضي السورية عبر الحسم العسكري. 

فالنظام السوري يعتبر أن ما أنجز من «نصر» حتى الآن غير كافٍ، وهو يريد من روسيا إكمال حربها لاستعادة كامل الأراضي. وهو يعيش فعلياً أحلام الحسم العسكري الكامل، وقد عبّر عن ذلك الى وفد فرنسي بالقول: «اننا على طريق النصر». وفي الحديث عن تسوية، فإن المعني الأول فيها هو النظام الذي عليه تقديم تنازلات، والتي لا تقوم تسوية من دون تقديمها من جميع الأطراف.

هذا النظام الذي رفض تقديم تنازلات وإجراء تسوية منذ ست سنوات، لا يبدو أنه راغب او قادر على تقديم هذه التنازلات، لذا لم يكن مستغرباً أن يستمر في أعماله العسكرية على رغم قرار وقف إطلاق النار.

اما إيران، فمن الواضح أنها غير راضية عن حديث التسوية الجاري، فهي ترى أن أهدافها من الحرب السورية لم تتحقق حتى الآن، وان مشروعها الاستراتيجي في إقامة هلال شيعي يمتد من إيران الى العراق الى سورية ولبنان لا يزال يحتاج الى مزيد من الحرب لرسم كامل معالمه على الأرض. لذا استمرت ميليشياتها في القتال، وفي تجاهل الحديث عن التسوية.

في المقابل، كيف يمكن إنجاز تسوية، بيما يجري استبعاد سائر القوى الاقليمية المتدخلة في الحرب بدرجة أو بأخرى؟ هذا الاستبعاد لا يساعد في نجاح مفاوضات التسوية او إنجازها، خصوصاً أن معظم التنظيمات المسلحة لها ارتباطات بقوى عربية وإقليمية، وأن مشاركتها او موافقتها على التسوية من العوامل المؤثرة. يبقى أخيراً موقف التنظيمات المسلحة الكثيرة العدد والمرجعيات، كيف يمكن إدخالها في تسوية، وما المكتسبات التي ستحصل عليها. لكن السؤال الأصعب هو أيضاً عن مدى قدرة هذه التنظيمات على الدخول في المفاوضات في ظل الانقسامات الحادة في صفوفها.

اذا كان من حديث عن تسوية فعلية، فكل الشبهات تدور حول ما اذا كانت روسيا وتركيا ومعهما الولايات المتحدة قد وصلت الى قناعات بأن ما تحقق على صعيد تعيين حدود «سورية المفيدة» هو أقصى الإنجازات المعطاة للنظام، ما يعني ان التسوية ستكون على حفظ هذه الأرض وترتيب موقع السلطة فيها، فيما تبقى سائر المناطق موضع تنازع بين القوى المهيمنة عليها من أطراف المعارضة، او مع النظام الذي لن يكتفي بحدود سورية المفيدة. إنها مرحلة جديدة في الحرب الأهلية السورية التي لا يمكن لأحد التنبوء بنهايتها.


* كاتب لبناني