سمير عطا الله

كان الأمير سعود الفيصل يقول في مؤتمرات الجامعة العربية إن جان عبيد ليس وزير خارجية لبنان، بل وزير خارجية العرب. ولكن من هو جان عبيد عندما لا يكون وزيرًا للخارجية؟ إنه السياسي العربي «الأسبق» الوحيد، الذي يوجه إليه وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الدعوة الرسمية إلى الكرملين.
يخضع عالم الدبلوماسية، قبل وبعد أي شيء، لقوانين البروتوكول. وهي لا تغضب أحدًا لأن تفسيرها واحد في كل الدول. حتى الصداقة لا مكان لها في البروتوكول. وكل خطوة لها معنى. ونزول الدرج برفقة الضيف يحسب بالدرجات والخطى. لكنها أثارت عددًا من اللبنانيين الذين اتفقوا، على غير عادة، على سؤال «موحد»: ما الذي يحمل سيرغي لافروف على توجيه دعوة رسمية إلى جان عبيد؟
الروس! السياسة الخارجية الروسية التي تريد أن توجه إلى العرب رسالة خلاصتها أنها لا تقيس القامات بالكرسي، بل بالرجل.
وأن جان عبيد الذي خسر كرسي الرئاسة في لبنان لم يفقد حكمة السنين والقدرة على الرؤية. وقد أشار البيان الرسمي عن الخارجية الروسية إلى أن الطرفين قد «اتفقا» على قضايا البحث، ولكن من هما الطرفان؟ الرجل الثاني في الكرملين، ووزير سابق في دولة صغيرة، تتسربل بتشكيل حكوماتها. هل أرادت موسكو أن تخص جان عبيد بقيمة إضافية غير مألوفة، أم أن تقول لأصدقائها وخصومها، إنها حريصة على حفظ القيم؟
حاولت أن أفهم من الوزير عبيد ماذا يمكن أن يكتب عن ساعتين ونصف الساعة أمضاهما في لقاء الخارجية الروسية مع لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف. وبعد لقاء دام ساعة ونصف الساعة في باريس، أدركت ما عرفته منذ 50 عامًا من المودة الكاملة، وهو أن الأفضل ألا «تحاول».
الزيارة معانيها فيها، ومضامينها فيها. للقيادة الروسية مواقف تريد أن تطلعنا عليها، وتعتقد أن لنا قراءات يحسن أن تصغي إليها.
لا. لم يكن أي كلام عامًا أو سطحيًا. أراد الوزير الروسي أن يشدد على أمرين: الأول، أن أحدًا لا يمكن أن يشد روسيا إلى نزعته الطائفية. روسيا دولة مدنية ذات رؤية مدنية تطبقها في الداخل والخارج. في الحرب والسلم. أما في المسألة اللبنانية، فثمة حرص حقيقي على إبقاء لبنان خارج نزاعات المنطقة. ومن أجل ذلك، ترفض روسيا أن تستدرج إلى أي تجاذب محلي في لبنان، لأن جميع الأمم تدرك أن تلك متاهة لها باب واحد: الدخول.