حسين شبكشي
انطلقت فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي بمدينة دافوس السويسرية، وهو المناسبة السنوية التي يحج إليها الساسة والمفكرون والاقتصاديون (كاتب هذه السطور تم اختياره من قبل المنتدى في عام 1996 كأحد قادة الغد) ليتم فيه التحاور والتناقش عما هو مفيد ومهم في الساحات الدولية.
كان الملتقى في بداياته أشبه بالبوتيك الراقي الخاص يحضره عدد محدود من النخبة يتم التواصل سريًا من دون رسميات وبشكل لا تكلف فيه، وهناك عدد «محدود» يتيح الفرصة لقضاء الوقت «الكافي» للتزاور وحضور المحاضرات والندوات والاجتماعات الخاصة، ولكن مع مرور الوقت انفتحت شهية المنظمين على «إغراءات» الدول والحكومات والشركات الكبرى لإدخال أعداد أكبر من الحضور والمشاركين، وتحولت المناسبة مع الوقت من بوتيك «خاص» إلى «هايبر ماركت عملاق».
عرف «المنتدى» بأنه كان المنصة الأولى الرئيسية لإطلاق فكرة العولمة وإزالة الحواجز والأسوار، وتسمح وتشرع حرية انتقال البشر وانتقال الأفكار وانتقال الأموال من أجل صناعة مناخ خال من التفرقة والقيود والتعقيدات، ولكن مع ارتفاع درجات وحدة الراديكالية والعنصرية بأشكالها كافة بدأت شروخ هائلة تظهر في الجدار حتى استفحلت الأمور وتنامت وظهرت قوى الظلام كـ«داعش» و«حزب الله» و«الحشد الشعبي» تقتل وترهب الناس ناقلة إرهابها بشكل عابر للحدود، وكان الرد من الضفة المقابلة ظهور قوى شعبوية نافذة أدت إلى إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد استفتاء مفاجئ، وأدت أيضًا إلى وصول دونالد ترامب الرجل المثير للجدل بآرائه المتشددة والمحافظة، وكذلك صعود نجم فلاديمير بوتين على سدة الرئاسة في روسيا ومد نفوذه حول العالم.
وبالتالي العولمة التي كانت شعار «دافوس» وكانت بضاعة المنتدى الأولى والأكثر فعالية انتهت تمامًا وباتت حديثًا من الأمس، وأصبح «طبق اليوم» أو «نكهة الشهر» هو التفكير الحمائي والدفاعي المسمى بشكل مريب «الوطنية» والذي هو في حقيقة الأمر ليس إلا غطاء مناسبًا لفكر فاشي من ناحية التشدد والتطرف.
«دافوس» فقد بريقه وتاه عن دوره وبات ملتقى يغرد بعيدًا عن أرض الواقع، وصعدت منتديات أخرى سحبت البساط منه... منتديات آمنت بالتخصص والتركيز على مواضيع محددة. «دافوس» الذي فقد بوصلة التركيز وابتعد عنها وطغت عليه الفكرة التجارية واهتم بمضاعفة الأرباح على حساب المضمون تركه كثير من فرسانه القدامى. وقام مؤسسه كلاوس شواب «بتفصيص» المنتج الرئيسي بأسلوب الامتياز، وقام بإعادة تدويره لمناطق مختلفة حول العالم مثل البحر الميت وأميركا الجنوبية والهند وغيرها من الجيوب الفعالة والمؤثرة حول العالم. وكانت شبهات التربح غير العادي تلاحق مؤسس المنتدى، وعرضت بعض التحقيقات والقضايا في سويسرا التي اتهمت بعض النافذين في المنتدى من الاستفادة من العقارات والتجهيزات المصاحبة للمنتدى حتى باتت هذه القرية السويسرية الصغيرة التي كانت معروفة بأنها موقع متواضع للتزلج أنها تتنفس وتأكل وتشرب فعاليات المنتدى، لكن ثقل منتدى دافوس وأهميته باتا من الماضي، ولم يعد المنتدى يستقطب نجوم السياسة والأعمال والفكر... لقد انتهى شعار العولمة فقضى على منتدى دافوس. إنها علاقة أخرى مهمة على التغيير الذي أصاب العالم بأسره.
التعليقات