محمد الصياد

كان لا بد من جردة حساب بعد كل اللغط السياسي والإعلامي الذي رافق أداء الرئيس السابق باراك أوباما في أيامه الأخيرة بين قدح وذم ونعت ومدح. فجاء إلى حيث كانت انطلاقته الأولى نحو سدة الرئاسة، إلى شيكاغو، حيث كان حزبه الديمقراطي المهزوم انتخابياً وسياسياً ومعنوياً قد رتب له جمع غفير من المؤازرين لتحيته وسماع آخر كلماته الوداعية، ومن خلالهم إلى الأمة الأمريكية التي ساسها على مدار ثماني سنوات، من سنة 2008.

اختار أوباما المكان الذي انطلقت منه مسيرته السياسية، وهو مدينة شيكاغو بولاية إلينوي، ثالث أكبر المدن الأمريكية سكاناً بعد نيويورك ولوس أنجلوس، ليلقي فيها خطابه الوداعي، وتحديداً من أكبر مركز مؤتمرات في أمريكا الشمالية هو مركز «مكورميك» المكون من أربعة مبان متصلة ببعضها بعضا. كان خطاباً عاطفياً إلى حد بعيد، حتى أن الرئيس السابق لم يتمالك حبس دموعه عندما توجه بالشكر لزوجته على الدعم الذي قدمته له طوال 25 عاماً من حياتهما الزوجية. 

بعد الممهدات العاطفية ومسكّناتها، راح يستعرض إنجازات عهده الواحد تلو الآخر، أهمها على الصعيد الداخلي، إنقاذ البلاد من حافة الوقوع في أزمة كساد عظيمة نتيجة ل«العاصفة» المالية الهوجاء التي تعرضت لها أسواقها المصرفية والمالية والعقارية في عام 2008، واعتماد نظام الضمان الصحي الذي حمل اسمه «أوباما كير»، وعلى الصعيد الخارجي سحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان وإبرام الاتفاق النووي مع إيران.

لو فحصنا هذه الإنجازات، سنجد أن الرئيس باراك أوباما كان محقاً فيما ذهب إليه بالنسبة لنجاح جهود إدارته في إنقاذ البلاد من أزمة مالية خطيرة، عبر حزمة من الإجراءات تراوحت بين تملك الشركات والبنوك الكبرى منعاً لإفلاسها ثم إعادة بيعها، وبين حزم التسهيل الكمي التي وفرت سيولة للشركات المعسرة لمعاودة نشاطها الاستثماري؛ وكذلك بالنسبة للنظام الصحي، والحال بالنسبة لإبرام الاتفاق النووي مع إيران على الصعيد الخارجي الذي أبعد شبح الحرب التي بدت في كثير من الأوقات أمراً واقعاً لا يمكن تفاديه.

في المقابل فإن إخفاقاته على المستويين المحلي والدولي كبيرة وكثيرة، لعل أبرزها، وهو ما كان حريٌ به استذكاره أثناء إلقائه للخطاب، تعمق اللا مساواة في توزيع الثروة بين الأمريكيين باعتراف جانيت يلين رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في 17 أكتوبر 2014، والتي (اللامساواة)، أدت، إلى ارتفاع نسبة الفقر ووصولها إلى 14.8% من السكان، أو 2% أعلى مما كانت عليه في نهاية عهد رونالد ريغان، والفقر المدقع إلى 6%. المفارقة أن الرئيس أوباما لم ينس، كعادة نخبة المؤسسة الأمريكية الحاكمة، أن يتحدث برومانسية متبجحة عن الاستثنائية الأمريكية في العالم، والعزف على وتر أرض الفرص والأحلام للجميع، مع أن واقع الحال يشي بتبخر الحلم الأمريكي في العسكرة والإنفاق الفلكي على الحروب وعلى الأجيال الجديدة من مختلف أنواع الأسلحة.

لم يفعل شيئاً لأبناء جلدته من الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية. فقد اختار أن يظل وفياً للطبقة وللمؤسسة التي انتمى إليها بدلاً من التدخل لوقف تدهور أوضاع السود وصعود موجة التمييز العنصري ضدهم. حتى عندما تكررت جرائم قتل السود في مدن أمريكية مختلفة، انحاز للشرطة ودافع عنها.

ثم إنه وضع كل ثقله وبصورة متنمرة خلف هيلاري كلينتون والتشهير بكل قوة بمنافسها، على أمل أن تواصل حملة المواجهة التي بدأها مع روسيا، بتصعيد الانتشار العسكري على مقربة من حدودها، وفتح قواعد عسكرية في كل من رومانيا وبولندا لنصب منظومة صواريخ موجهة ضدها، وتكثيف مناورات حلف الناتو العسكرية في البلدان المحاذية لها. علماً أن اللجنة النرويجية لجائزة نوبل للسلام منحته جائزتها في 9 أكتوبر 2009 مع أنه لم ينقضِ على توليه منصبه الرئاسي سوى أقل من تسعة أشهر فقط لم يحقق خلالها أي إنجاز يذكر في مجال المساهمة في إحلال السلام العالمي. 

حتى مجلة «التايم» الأمريكية اعتبرت حينها منح أوباما جائزة نوبل، مبكراً. كما اعتبرت صحيفة «وول ستريت جورنال» فوز أوباما «غريباً للغاية»، وإن كانت الموضوعية تقتضي القبول بتأويلات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حينها «بأن الرئيس أوباما يجسد الروح الجديدة للحوار والارتباط»، وتأويل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق محمد البرادعي بأن أوباما يحمل «أمل السلام للعالم»، وتأويل الفائز بجائزة السلام لعام 2008 الرئيس الفنلندى السابق مارتى أهتيسارى القائل: «لم نحقق السلام في الشرق الأوسط بعد، فكان تشجيع لجنة نوبل أوباما على تقديم مساهمة أكثر لحل المشاكل الموجودة في المستقبل». 

ولكنه لم يفعل أي شيء للقضية الفلسطينية التي تشكل أكبر مصائب منطقة الشرق الأوسط التي خلقتها العقليات الاستعمارية الانجليزية والأوروبية والأمريكية وأمدتها بكل أسباب القوة والحياة والتمدد لفرضها واقعاً على شعوب المنطقة لتتجرعه. كما أنه لم يغلق معتقل جوانتانامو كما وعد.