سعيد السريحي

أشرت في مقالي يوم أمس إلى أن ضحالة خطاب التطرف هي سر قوته وقدرته على التأثير ووصوله إلى شريحة أكبر من الناس، وهذه هي سمة الخطاب «الشعبوي» الذي يقف موقف النقيض من خطابات «النخبة» التي يحول عمقها دون ذيوعها وشيوعها، كما أن هذا العمق يحد من قدرتها على التأثير.

وتتصل بتلك المسألة مسألة أخرى تتمثل في أن تلك «الضحالة» التي يتسم بها الخطاب «الشعبوي» تمكن الكثيرين من استخدامه وتسهل لهم الوصول إلى مراكز متقدمة في قيادة الرأي العام، وهو ما يمنح هذا الخطاب قوة مضافة فهو قادر على الوصول إلى شريحة أكبر من الناس عبر شريحة أكبر من المستخدمين له، ولذلك فإن الخطاب الشعبوي لا يشكل إزاحة لخطاب النخبة فحسب بل تهميشا للنخبة نفسها، ولو أننا استعدنا ما كان يحدث خلال فترة ما تمت تسميته بالصحوة لرأينا هذا الأمر جليا، ولو أننا وقفنا على ما تبقى من ذيول تلك الصحوة لرأينا كيف يتسم كثير من رموزها بضحالة في التفكير ولم يحل ذلك بينهم وبين أن تكون لهم أسماء لامعة وتأثير على مجتمع تعود أن يتقبل منهم ما يقولون دون عرضه على العقل أو تحكيم المنطق في النظر إليه.

ومن خصائص الخطاب الشعبوي أنه يقول للناس في ظاهره ما يريدون أن يسمعوه منه مستدرجا لهم إلى ما يضمره من مفاهيم ورؤى وبرامج وخطط لا تنجلي إلا بعد أن يكون قد أحكم قبضته على الناس وأصبحت مراجعته، فضلا عن نقضه أمرا ليس بالسهل.

والمسألة لا تتوقف عند تجربتنا مع الصحوة باعتبارها أنموذجا لاستثمار الخطاب «الشعبوي»، ذلك أن اتجاهات السياسات العالمية بدأت تنحو هذا النحو وأصبح استخدام الخطاب الشعبوي وسيلة لكسب أصوات الناخبين في صراع الأحزاب على مراكز السلطة في بلادهم، ولعل خير أنموذج لذلك الحملات الدعائية التي مكنت ترمب من الوصول إلى الرئاسة الأمريكية وهي حملات اتسمت بالضحالة ولكنها تمكنت من هزيمة خطاب النخبة الأكثر عمقا الذي كانت تتبناه كلينتون في حملتها الانتخابية.