خليل علي حيدر

هل تركيا مستهدفة من خصومها؟ ومن هم هؤلاء الخصوم الذين تضايقوا من نجاحات تركيا وحزب «العدالة والتنمية» والرئيس أردوغان؟ لنفترض أن بعض هذه المخاوف والافتراضات صحيحة، وأن أعداء تركيا يكيدون لازدهارها الاقتصادي والسياسي ليل نهار، ولكن ثمة أخطاء وتسهيلات قدمتها أنقرة على طبق من فضة.. لمن «يتربص» بها!

في موقف لافت، قال الناطق باسم الحكومة التركية «نعمان كرتولموش» في تصريح نشرته صحيفة «حرييت» التركية يوم 06 - 01 - 2017، أنه - أي الناطق الرسمي - ممن يعتقدون بشكل شخصي بأن «سياستنا في سوريا ارتكبت أخطاء كبيرة»، و«إن تركيا لن تقف إلى جانب بشار الأسد أو مساعديه، لكن مع ذلك يجب تصحيح الأخطاء السابقة».

بعيداً عن سوريا، وفي الداخل التركي وتجربتها السياسية والاقتصادية والأمنية ثمة أخطاء ومشاكل قد لا يحب المسؤولون تحمل عواقبها أو حتى الإشارة إليها.

وجه إرهاب «داعش» والمتطرفون الأكراد ضربة موجعة إلى تركيا أو ضربات، وكان أثر الإرهاب وتفجر القضية الكردية في تعثر الثورة السورية مماثلاً لما قامتا به من أدوار في الداخل التركي كذلك.

ولعلَّ من الأسباب في ذلك تركيز تركيا جهدها الاستخباراتي طويلاً ضد الأكراد غافلة عن «الصديق الإسلامي»، الذي إذا انقلب «كان أدرى بالمضرة»! ولم تكتفِ السلطات الأمنية بتركيز الملاحقة والمطاردة على «داعش» ومتطرفي الأكراد، بل أضافت للقائمة، وبشكل غير مفهوم أو مبرر، فتح جبهة عريضة على رفاق الأمس، «جماعة فتح الله جولن». فقدت تركيا اهتمامها في اعتقادي بأولوياتها الاستراتيجية، بمعنى التركيز المطلق على بناء تركيا متقدمة، وإحراز مكانة في الصدارة مع البلدان الأوروبية والآسيوية الصناعية المتقدمة. ولا يتأتى ذلك إلا بمضاعفة الدخل الاقتصادي، والتوسع في الإنتاج والتصدير، وتشجيع البحث العلمي والاختراع، ومواصلة تحديث مؤسساتها الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والدستورية، وتعزيز الليبرالية وحقوق الإنسان، وزيادة فرص المشاركة أمام المرأة التركية في الحياة العامة.. وغير ذلك من خطوات يعرفها الجميع.

غير أن تركيا للأسف وقعت مع تفاقم المشكلة السورية وصعود الإسلاميين في مصر وليبيا وغيرها، في نفس الخطأ الباكستاني، كما يرى المراقبون.

فكما تحولت باكستان إلى جسر «للمجاهدين» في أفغانستان في أعقاب الغزو السوفييتي، وتغلغل زعماء «طالبان» في مفاصل باكستان واستخباراتها، ونمت لهما مصالح مشتركة، باتت تركيا مدخل «المجاهدين» إلى سوريا والعراق وشمال أفريقيا وأوروبا، وبخاصة وقد انحازت حكومتها الإسلامية ونظام حزب «العدالة والتنمية» إلى «الإخوان المسلمين» وآوتهم وتبنت سياساتهم ومصالحهم في مصر خاصة، على حساب أمن ومصالح وحياد تركيا.. وأولوياتها في الترقي والصعود.

وبالطبع، ليس لـ«الإخوان» صديق دائم، كما تبين مع دول الخليج عام 1990، بل ولا عدو دائم، كما هو معروف في تبدل سياساتهم من دولة لأخرى ومن مرحلة إلى مرحلة. ولم تستطع تركيا ولن تقدر مهما حاولت، أن تجمع بين أهدافها في اللحاق بالعالم المتقدم وبين إيواء أحد ألد أعداء هذا التقدم في العالم الإسلامي! بل إن الكثير من قادة وشيوخ الإرهاب مروا بديار «الإخوان»، وتزودوا بزاد فكرها وكتبها، وعاشوا ردحاً من الزمان في رحاب الحركة، قبل أن يستقلوا بجماعاتهم!

أظهر حادث الاعتداء الإرهابي ليلة رأس السنة في إسطنبول مع نهاية عام 2016، محدودية قدرات تركيا في مواجهة الإرهاب، كما يحلل الكاتب كرم سعيد في «الحياة»، 04- 01 - 2017، ما جرى على ضفاف البوسفور في تلك الليلة الدامية.

فقد كشف الحادث الضغط الأمني الكبير الذي تعاني منه تركيا مع ضخامة متطلبات مكافحة الإرهاب في دولة بحجمها وأهميتها، وبخاصة بعد اعتقال وتسريح آلاف الكفاءات الأمنية في الجيش والشرطة، بحجة الانتماء إلى جماعة «خدمة» المرتبطة بالداعية «فتح الله جولن»، الذي تتلمذ الرئيس أردوغان على يديه، والمتهم بتدبير المحاولة الانقلابية الكبرى ضد نظام «العدالة والتنمية»، حيث توالت اعتقالات واسعة منذ ذلك الحدث قبل أشهر، وشملت الأوساط المدنية، والعسكرية، والقانونية، والتعليمية بعشرات الآلاف، وبشكل يصعب تصديقه، بل يقال إن التسريح قد شمل حتى الآن نحو 150 جنرالاً.

وقد دفع الاقتصاد التركي الصاعد ثمن هذه الصدامات ضد «داعش» و«الأكراد» و«جماعة فتح الله جولن»، إذ تراجعت السياحة بحدة، وفقدت الليرة التركية نسبة ملحوظة من قيمتها، وتعثرت الاستثمارات، مع اتساع رقعة العنف وامتدادها إلى ساحات ومناطق جديدة، لعلّ أبرزها مدينة «قيصرية» إحدى مدن تركيا ومراكزها الصناعية الكبرى.

ويقول الأستاذ «سعيد»، إن أحد التكتيكات التي نفذتها الجماعات الإرهابية استهداف الشخصيات الأجنبية السياسية والدبلوماسية، عندما هاجم «حزب التحرير الشعبي» القنصلية الأميركية في إسطنبول، ثم مقتل السفير الروسي في أنقرة خلال افتتاح معرض فني في 25 ديسمبر الماضي».

من جانب آخر، تجدد السجال وسط عملية البسفور الإرهابية وما تلاها، بين العلمانيين والإسلاميين في تركيا بشكل أقلق حكومة حزب «العدالة والتنمية» لأول مرة، كما تصفها التقارير.

ويقول تقرير من «أنقرة» نشرته «الحياة» إن التشدد وصل حد المجاهرة بدعم «مذبحة البوسفور»، ما دامت قد ضربت «ملهى»، وأصابت الفسقة والمنحرفين، الذين يستحقون ما جرى لهم!