«دولة الأزهر» أقوى من الدولة وفكرة تقديس «الرمز» حلّت محل «عبادة الفراعنة» وكتائب الحسبة تتحلق حول أحمد الطيب

حسنين كروم

الموضوع الذي اهتمت به الغالبية الشعبية الساحقة وكانت له الأولوية على ما عداه وعكسته الصحف المصرية الصادرة أمس الاثنين 30 يناير/كانون الثاني هو فوز منتخب مصر لكرة القدم على منتخب المغرب واحد صفر، قبل نهاية المباراة بحوالي ثلاث دقائق، أي في «الوقت القاتل» بعد أن كانت المخاوف تتملكهم من المنتخب المغربي. 

وأحرز هدف الفوز اللاعب كهربا، لذلك كانت المانشيتات كهربا نورت مصر كهربا يصعق أسود الأطلسي كهربا يصعق المغرب، وبعد المباراة خرج الملايين إلى الشوارع في كل المحافظات يجوبونها مرددين الهتافات والأناشيد، وكانت أجهزة الأمن لا تقل سعادة عنهم لأنه لم تقع أي حادثة في أي مكان.
حدث ذلك بينما الرئيس عبد الفتاح السيسي كان قد وصل إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لحضور مؤتمر القمة الأفريقي، واجتمع مع رئيس الوزراء الإثيوبي ديسالين للاتفاق بشكل نهائي على عدم الإضرار بحصة مصر من مياة نهر النيل، بسبب مشروع سد النهضة. 
واجتمع كذلك مع عدد من قادة الدول الأفريقية ومنهم، الرئيس كينياتا رئيس كينيا الذي قال للسيسي إنه يقدر المساعدات التي قدمتها مصر لبلاده للحصول على الاستقلال من بريطانيا، من دعم بالسلاح إلى الإعلام. وكينياتا هو ابن الزعيم جونو كينياتا الذي قدم لحركة التحرير التي قادها الزعيم خالد الذكر كل الدعم، وهو ما أسعد السيسي، الذي يجذبه حلم عبد الناصر بلا شك، وهو ما ظهر أيضا في أوضح صورة عند اجتماعه مع رؤساء تحرير الصحف القومية الثلاث «الأهرام» و»الأخبار» و»الجمهورية» عندما أشاد لأول مرة باشتراكية نظامه وما حققته لمصر وهاجم نظامي السادات ومبارك لينشر الحديث في يوم ذكرى ميلاد عبد الناصر.
ومن الأخبار الأخرى التي أثارت الاهتمام أيضا تكذيب السودان ما نشر عن أنه قام بطرد الإخوان المسلمين المتواجدين على أراضيه، علما بأن النظام في مصر لم يسبق له أن طالب الرئيس البشير بطردهم، ما داموا يلتزمون بعدم القيام بأي أنشطة مضادة لمصر. وعلاقات الرئيس السيسي بالرئيس السوداني في غاية القوة، ومن أشهر فقط قلد السيسي البشير في احتفال عسكري قلادة النيل، وهي أرفع وسام مصري، بسبب مشاركته في الحرب ضد إسرائيل.
واهتم كثيرون بخبر إصدار محكمة جنايات شمال القاهرة حكما بالسجن خمس سنوات على الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل مؤسس حزب الراية السلفي، وعشرة آخرين معه بتهمة حصار محكمة مدينة نصر، أثناء نظر قضية متهم من أنصاره، وكان قد صدر ضده حكم سابق بسبع سنوات من محكمة الجنايات بتهمة تزوير أوراق والدته عندما قدم أوراق ترشيحه لانتخابات الرئاسة عام 2012. وكان من شروط الترشيح أن يكون المرشح من أبوين مصريين، واتضح أن والدته حاصلة فعلا على الجنسية الأمريكية لإقامتها مع ابنتها هناك لعدة سنوات. ونشرت صحف أمس أيضا قيام قوات مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية وقوات من الجيش بمحاصرة جبل أسيوط، بعد اكتشاف اختباء الإرهابيين، الذين هاجموا كمين شرطة النقيب في محافظة الوادي الجديد، فيه. بالإضافة إلى اختباء عدد من العناصر الإجرامية ويتم ضربهم بالمدفعية وطائرات الهليكوبتر. 
كذلك أبدت الصحف اهتماما واسعا بأنشطة معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهو ما فعلته الفضائيات، والإقبال عليه بعكس التوقعات السابقة. وبالنسبة لارتفاعات الأسعار فإن الشكوى الرئيسية الآن تتركز على ارتفاع أسعار الأدوية ووعود حكومية بقرب الانتهاء من مشكلة نقص السكر، والتبشير بأن مصر ستحقق تقدما هذا العام، بسبب البدء في إنتاج كميات هائلة من الغاز تكفي للاستهلاك المحلي وللتصدير أيضا، وهو ما سيخفف تكاليف إنتاج محطات الكهرباء التي تستخدمه. وكالعادة فإن أصحاب شركات السياحة وملايين العاملين فيها يترقبون بعد أيام إعطاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إشارة البدء بعودة السياحة الروسية بعد أن اطمأن الخبراء الروس إلى تنفيذ سلطات المطارات المصرية كل ما طلبوه وقاموا بالتفتيش بأنفسهم على سلامة الإجراءات، وإلى ما عندنا..

معارك وردود

وإلى المعارك والردود التي سيبدأها اليوم محمود مسلم رئيس تحرير «الوطن» الذي قال:
«صك الرئيس عبدالفتاح السيسى مصطلحاً جديداً يمكن أن يضاف إلى معايير استقرار الدول، عندما تحدث أمس في مؤتمر الشباب حول الفارق بين الانطباع والواقع، وأعتقد أن السيسي أدرك مبكراً أن قضية الوعي تمثل ركناً أساسياً في المرحلة الحالية، وإن كانت حكومته لم تعمل بشكل ممنهج على هذه القضية الخطيرة حتى الآن. تنشئة جيل واعٍ هو التحدي الأكبر أمام الدولة المصرية لأنه هو الذي سيحميها ويعمق استقرارها ويثبتها ويطور مؤسساتها وينتشلها من حالة شبه الدولة، وهذا سيؤدي إلى تقليل الفجوة بين الانطباع والواقع، فالوعي يؤدي إلى الاختيار الأفضل دائماً ما يزيد من درجة الثقة في المستقبل ليكون أفضل من الواقع والحقائق أقوى من الانطباع».

«عدلنا الحكومة وبقينا قرايب»

ونظل مع الحكومة والتعديل الوزاري الذي وعد به الرئيس عبد الفتاح السيسي وقال عنه محمود نفادي في جريدة «البوابة» اليومية المستقلة ساخرا من مجلس النواب وكيف سيكون موقفه: «عدلنا الحكومة وبقينا قرايب، عدلنا الحكومة وبقينا نسايب، هذه الأغنية سوف تتردد على ألسنة جميع أعضاء مجلس النواب يوم الأربعاء المقبل، عقب تلاوة رسالة رئيس الجمهورية للمجلس بشأن إجراء تعديل وزاري في حكومة المهندس شريف إسماعيل، وموافقة المجلس على التعديل طبقا للمادة 147 من الدستور بالغالبية المطلقة للحاضرين، وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس، واعتبار هذا التعديل وخروج بعض الوزراء من مناصبهم انتصارا كبيرا لمجلس النواب، فغالبية أعضاء المجلس يترقبون هذا التعديل بفارغ الصبر، حيث أن بعض النواب سوف يشمتون ببعض الوزراء الذين ستتم الإطاحة بهم لعدم استجابتهم لمطالب النواب، والرد عليها بتأشيرات سياسية لا تغني ولا تسمن من جوع، وأنهم لم يستجيبوا لنصائح النواب في تعديل سياستهم ومنحهم تأشيرات مرضية وتحقق مطالبهم. وبعض النواب سوف يعتبر هذا التعديل انتصارا شخصيا له وسوف يتباهى أمام أبناء دائرته بأنه وراء الإطاحة بهؤلاء الوزراء وتسجيل هذا الانتصار في كشف حسابه الخالي من أي إنجازات أخرى حققها على مدار أكثر من عام على أرض دائرته الانتخابية، وكلا الفريقين من النواب ينسون أنهم وراء استمرار هؤلاء الوزراء ومنحهم الثقة البرلمانية، وتقاعسوا عن فرض رقابتهم عليهم، وعدم تقديم استجوابات لهم لسحب الثقة منهم، خاصة أن جدول المجلس يخلوا من وجود أي استجوابات مقدمة لوزراء الزراعة والتربية والتعليم والثقافة والسياحة والقوى العاملة والتعليم العالي».

زيادة السكان

وإذا كانت الدولة تعاني من مشكلة عويصة بسبب تزايد عدد من لا يرغبون في تولي منصب الوزير، فإنها تعاني من مشكلة أخرى مضادة هي زيادة أعداد السكان بما يهدد التنمية، أو كما قال زميلنا فهمي هويدي في مقاله اليومي في «الشروق» أمس: «حين ينتقد الشعب المصري لأنه مستمر في الإنجاب فتلك شهادة لصالحه، نعني أنه ما يزال متشبثا بالاستمرار في الحياة، رغم صعوبة الاستمرار فيها، في ظل الظروف القاهرة الراهنة. في الوقت ذاته فإن ذلك بمثابة اعتراف غير مباشر يؤكد فشل مؤسسات الدولة المسؤولة عن التخطيط والتنمية في أداء مهامها، لذلك أزعم أن ما في مصر ليس مشكلة سكانية، ولكن مشكلتها الحقيقية تكمن في عجز الإدارة وسوء التخطيط، ما أدى إلى الفشل في استثمار الموارد وتلبية احتياجات المجتمع. 
هذا النقد للمجتمع تردد أخيرا على ألسنة بعض المسؤولين في مصر، وهو ليس جديدا لأننا نسمع الحجة ذاتها تطلق وتسوق في مواجهة كل أزمة اقتصادية، وقد ذهب الرئيس الأسبق حسني مبارك في نقده إلى حد التعبير عن حيرته إزاء استمرار المجتمع في الإنجاب وقوله ضاحكا: «هل نضطر إلى وضع شرطي إلى جانب كل سرير؟». في بلادنا ما أسهل أن يشير المسؤول بأصابع الاتهام إلى مسؤولية الشعب عن الأزمة، وما أصعب أن يحاسب المسؤول على فشله. ومن رابع المستحيلات أن يعترف من جانبه بمسؤوليته عن الفشل. في هذا الصدد لا نستطيع أن نتجاهل الإنجاز الذي حققته حكومتا الصين والهند في مجال النهوض وتوفير الاحتياجات الأساسية للمجتمع، رغم أن سكان كلا البلدين تجاوز المليار نسمة، حيث اعتبرت كل منهما أن البشر مصدر للقوة إذا أحسن استثمارهم بقدر ما أنهم يصبحون عبئا على النظام إذا ما أسيء استثمارهم. ولا ننسى في هذا الصدد أن دولا عدة مثل اليابان وروسيا وألمانيا تحث الناس على الإنجاب لزيادة الأيدي المنتجة، كما أن تركيا تعمل على ذلك وتوفر مكافآت عدة للمواليد الجدد».

السلطة تحسن صورتها على حساب المواطن

وعن كلفة مؤتمرات الشباب ومن الذي يتحملها كتب محمود سلطان رئيس التحرير التنفيذي لـ«المصريون» قائلا: «إشارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر أسوان الشبابي، الذي اختتم يوم 28/1/2017، إلى أن مصر «دولة فقيرة»، أثارت استياء وغضب البعض: وأعجبني «بوست» على الـ«فيسبوك» يقول: نحن البلد الوحيد في العالم، الذي ينفق الملايين على مؤتمرات، لكي نقول للعالم «نحن فقراء». «بوست» لاذع وساخر، ولكنه يلخص تفاصيل كثيرة، عن التناقض في ممارسات السلطة، التي تدعو الناس إلى التقشف، فيما تنفق هي بسخاء على «الأبهة» بمؤتمرات وبروتوكولات حتى الآن لم تثمر شيئًا. وقبل الولوج إلى الموضوع، فإن مصر فعلاً دولة ليست فقيرة، وإنما هي غنية وشديدة الثراء، ولكن المشكلة في الفساد الذي تمارسه الدولة أو على الأقل تتسامح معه، حال كانت أجهزتها ومؤسساتها التي تعتمد عليها في سياسيات «الترويع» جزءًا منه. على سبيل المثال يوجد في مصر 141 منجم ذهب، 191 حقل نفط، وعاشر أكبر احتياطي للغاز، ثلث آثار العالم، وأكبر بحيرة صناعية، وقناة السويس ونهر النيل. وهي ثروات طبيعية ضخمة، تبني دولة عظيمة، وتجعلها قوة اقتصادية مبهرة.. فمن أين تأتي السلطة بكل هذه الادعاءات عن فقر مصر؟ وأين تذهب كل هذه الثروات؟ لجيوب وكروش وحسابات مَن؟ وعلى سبيل المثال، لا أحد يعرف تكلفة فاتورة عقد مؤتمرات الشباب وعلى تلك «الأبهة» التي ظهر بها الموكب الرئاسي في النيل، وكم تكلفت إقامة الوفود في الفنادق وتذاكر سفرهم إلى أسوان؟ ومَن تحمل الفاتورة، مؤسسة الرئاسة أم رجال أعمال أم دافع الضرائب المواطن المصري البائس والفقير الذي لا يجد علاجا ولا طعاما ولا ما يفي به احتياجات أسرته وعائلته؟ أين هي الشفافية؟ وهل تخضع فاتورة مؤتمرات الشباب وغيرها، لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات؟ وإذا كانت تخضع للرقابة، فإنه من مقتضيات احترام الشعب والرأي العام، أن يعلن قيمة ما ينفق من خلال بيانات رسمية، أو تكشف الحكومة صراحة، عن الممول والراعي الرسمي لهذه المؤتمرات، إذ سيمسي من دواعي السخرية، أن نعقد مؤتمرًا ينفق عليه بالملايين.. كي نعلن للعالم بأننا «دولة فقيرة» كما أشرت في مستهل هذا المقال. في تقديري أن الدولة عليها أن تنصح نفسها ابتداء، وأن تبدأ بنفسها في اتباع سياسات تقشفية، تقنع الرأي العام، بأنها جادة. فما نراه لا يمكن أن يبعث على التفاؤل ولا على الثقة ولا يشجع على التقشف، إذ يبدو المشهد في محصلته النهائية، وكأن السلطة تأخذ من الناس قيمة ما تنفقه على تحسين صورتها وعلى إعلام مهمته الدفاع عنها بالحق وبالباطل.. نريد مَن يحترم العقل لا مَن يهينه».

وعود لم تنفذ

وإلى مؤتمر الشباب الشهري الذي عقد في أسوان أيضا وما قاله عنه أمس الاثنين في «المصري اليوم» الدكتور عمرو هاشم ربيع: «في مؤتمر الشباب الذي عقد في أسوان منذ أربعة أيام وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى كلمات كثيرة تخص أبناء الدولة، إذ أشار إلى أن التنمية عملية مشتركة بين الدولة والمواطن، وأن المهمة الراهنة تتعلق بمواجهة ارتفاع الأسعار، وهو أمر يخص رقابة الحكومة على الأسواق وهي مهمة رئيس الوزراء ووزير الداخلية، وفي الوقت نفسه أشار الرئيس إلى أن التحدى الأكبر على المواطنين هو أن يدركوا مشكلاتهم الحقيقية. هذه الكلمات تعبر عن وجود أعباء مشتركة وهو أمر يتسم بالجدية والصراحة، فالمواطن كما أن عليه أن يتمسك بدأبه على العمل، على اعتبار أن العمل هو أساس رفع معدلات النمو والعكس، فإن التكاسل والتواكل يفضي إلى المزيد من المشكلات الاقتصادية المتصلة بخفض الإنتاج الزراعي والصناعي، ومن ثم ارتفاع أسعار السلع والخدمات نتيجة شح الموارد المحلية والاعتماد على الخارج من خلال الاستيراد المكلف والمواكب لخفض سعر العملة المحلية، بسبب سوء الإنتاج. في مواجهة ذلك كله يعتقد أن المواطن تحمل الكثير وصبر بشكل لافت على خفض الدعم بشكل كبير خلال الأشهر الماضية، هنا يبقى الدور المحوري للسلطة، هنا نشير للوعود الكثيرة التي قطعت في الفترة السابقة وكان نصيبها من التنفيذ محدودًا للغاية، ما أثر على شعبية الحكم نتيجة الإحباط الذي ألم بالمواطن من كثرة الوعود غير المنفذة والأعباء الكثيرة التي يعانى منها المواطن».

مبارك والبرادعي وشفيق

وإلى معركة أخرى مختلفة عن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ونجليه علاء وجمال مبارك، حيث أشاد بهم يوم الأحد زميلنا في «اليوم السابع» دندراوي الهواري في مقال له عنوانه «مبارك وعلاء وجمال أرجل من البرادعي وأيمن نور وأحمد شفيق» قال فيه: «عايز تعترف بحقيقة أن مبارك وزوجته وأبناءه علاء وجمال أشجع وأرجل مليون مرة من محمد البرادعي وأيمن نور ووائل غنيم وعمرو حمزاوي وأحمد شفيق أنت حر. «عايز» تهرب من الواقع إلى الخيال المريض المسيطر على كل المتثورين لاإراديًا بأن عائلة مبارك رفضت الهروب وقررت بإصرار ورباط جأش مواجهة أعاصير 25 يناير/كانون الثاني التي تجاوزت خطورتها إعصار تسونامي، وتحاول أن تلصق بها تهم الفساد فهذا شأنك. «عايز» تصدق أن محمد البرداعي وأيمن نور وعمرو حمزاوي ووائل غنيم وبلال فضل وأحمد شفيق وباقي شلة الهاربين من مصر خوفًا من المواجهة وقرروا النضال خارج الحدود إنهم ثوار أنقياء فأنت حر أيضًا، لكن تبقى الحقائق نبراسًا عاليًا يضيء الطريق يستعصي على إطفائها أحد، ويبقى مكر التاريخ مسيطرًا على صفحاته تنطق بالحق والحقيقة، مهما كانت حملات التشويه وستنتصر في النهاية رافعًا راية «لا يصح إلا الصحيح».
يمكن لأي معارض وكاره لمبارك ونظامه أن ينتقده ويتهمه بتدشين الفساد الذي ضرب الأرض والبحر والجو، وأنه أدار حكم مصر في السنوات العشر الأخيرة وقبل تنحيه باعتباره «عامل محارة بلدي أو ما يطلق عليه في الدارج مليساتي» يحاول الترقيع و»التلييس» في علاج المشاكل المستعصية، حتى استفحل خطرها، وهو أمر أنا شخصيًا أتفق مع جزء كبير منه، لكن يبقى أنه ونجليه وزوجته وباقي أفراد أسرته قرروا المواجهة وإبراء ذمتهم من كل الاتهامات وقضايا الفساد والقتل والتعذيب التي حركها ضدهم خصومهم، وانتصر لهم القانون وانحاز لهم التاريخ. نعم علاء وجمال يحضران مباريات كرة القدم على المدرجات بين الجماهير من دون حراسة ومن دون تأفف، كونهما ولدا وفي فميهما ملاعق ذهب وماس، في الوقت الذي يخشى فيه كل من البرادعس وأيمن نور وعمرو حمزاوس الحضور للقاهرة والتحرك بين الناس بمنتهى الأريحية».

25 يناير

لكن من جهة أخرى فسوف تبقي قضية هجرة أو هروب الكثيرين خارج البلاد للنضال من بلاد أجنبية بـ«الصوصوة» أي التغريدات أو إنشاء محطات فضائية لم يدفعوا ثمنها نقطة قوية في صالح مبارك الذي قال عنه أمس زميلنا في «الأسبوع» محمد السيسي وهو يشيد بثورة يناير: «خرجوا يواجهون الهزيمة التي عاشوها في انتشار الفساد وموت الضمير، بعد أن تحول المواطن إلى عميل يدفع ليحصل على أبسط حقوقه، سواء كان ذلك بايصال مختوم بختم النسر أو من دونه. خرجوا في 25 يناير/كانون الثاني يواجهون الهزيمة على يد الفقر التي تجسدها حالات الطلاق والزواج العرفي ومجانين الشوارع والمخدرات على النواصي وفي المقاهي والنوادي والمدارس والجامعات والتكالب على السفر لدول النفط والهجرة للدول الأوروبية والانتحار في مواسم دخول المدارس والأعياد، خرجوا من كل فج عميق يواجهون الهزيمة في زواج السلطة بالمال وبيع القطاع العام وفتح أبواب الاقتصاد من جديد أمام الأجانب والتخلي عن الصناعة الوطنية وتوسيع الفوارق بين الطبقات، وخصخصة المدارس وإفساد الجامعات وإلغاء مجانية التعليم ونهب ثروات الوطن لنصبح شعبا يعيش تحـت خط الفقــــرخرجوا يواجهون طبقة النصف في المئة التي تحصل على كل شيء من دون أن تبذل أي شيء يحرقون العلمين الأمريكي والصهيوني ويعلنون نهاية دولة كامب ديفيد، ويرفعون صور الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ويرددون كلماته وعباراته في مواجهة طوابير العيش وطوابير المستشفيات وطوابير الهجرة أمام السفارات والطوابير أمام الأتوبيسات وفي محطات المترو وطوابير موائد الرحمن وطوابير شنطة رمضان».

باي باي يناير

وإلى «المصريون» وكاتبها الساخر محمد حلمي: «*كان المطلب الأول في هتاف أو شعار ثورة يناير2011 هو (العيش) من لحظتها أضيفت إلى الشعب المصري صفة القناعة والرضا بالقليل.. لأول مرة في التاريخ يثور شعب ليطلب عيشا بدون غموس. * على مسؤوليتي.. آخر كلام عن ثورة 25 يناير/كانون الثاني من وحي الأمثال الشعبية: ـ اللي ثاروا ماتوا ـ واللي قَبَض مماتش. لكي تفهم ما حدث في 25 يناير تذكَّر أن ميدان التحرير وفي عز الأيام القليلة التي أعقبت الثورة، شهد أول (قفا سياسي) في التاريخ.. كان الكف ذو الرنين المُدَوِّي الذي هوى على قفا السيد البدوي زعيم حزب الوفد العتيق، الرسالة كانت واضحة وضوح الشمس، وهي أن القفا كان موجها للجميع.. وكل قفا وانتم طيبون.. قصدي كل سنة وانتم طيبون».

معارك الإسلاميين

وإلي معارك الإسلاميين حيث سارعت زميلتنا الأديبة سحر الجعارة يوم الأحد في «الوطن» إلى شن هجوم على شيخ الأزهر في مقال عنوانه «رعبتنا يا فضيلة الإمام» قالت فيه: «كم تمنيت أن أرى الأزهر بعيني الرئيس، أن أكون منحازة لعلمائه مؤمنة بأنهم يحاربون التطرف والإرهاب، بينما هم ـ في الواقع ـ يهيئون له التربة ويمنحونه الحصانة أحياناً (رفض شيخ الأزهر تكفير «داعش» فيما ظل يهاجم الشيعة والعلويين) في يناير الحالي قال الدكتور الطيب لشباب بورما: «درسنا أن البوذية دين إنسانية في المقام الأول، وأن بوذا كان من أكبر الشخصيات التاريخية الإنسانية وكبار العلماء يصفون رسالته بأنها دين رحمة»! الإمام الذي يعترف بأن «البوذية دين» هو نفسه من يطارد رجاله المثقفين والمبدعين وكل من يجرؤ على الاقتراب من ملف تنقية التراث والرد على الأفكار المتطرفة، (سجن إسلام بحيري نموذجاً) لقد تصدى رجال الطيب داخل مجلس النواب لمشروع قانون بإلغاء الفقرة «و» من المادة 98 من قانون العقوبات التي تتعلق بعقوبة «ازدراء الأديان» الذي تقدمت به النائبة الدكتورة آمنة نصير ونجحوا في إجهاضه لتثبت «دولة الأزهر»، أنها أقوى من الدولة وأن فكرة تقديس الرمز حلت محل «عبادة الفراعنة» من البخاري إلى الطيب، لكن شيخ الأزهر احتفظ بحصانته الأبدية بموجب المادة السابعة من الدستور التي تتضمن نصاً: (شيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء) وبالتالي تحولت الهيئة إلى ما يشبه «ملالي إيران»ونجح «ملالي الأزهر» في معركة «خطبة الجمعة» على وزارة الأوقاف لينتشر الدعاة الأزهريون للاستحواذ على المساجد وخلق مجتمع مستلب يسلم عقله ووجدانه لمَن يحدثه عن معجزات «السلف الصالح»، والرئيس لا يرغب في تصديق الأفكار التي يعتنقها الإمام الأكبر وأن قناعاته الأصلية تقدس كتب التراث (بكل ما فيها من خرافات وتناقض مع القرآن الكريم) وأنه المسؤول عن تحويل «البخاري ومسلم» إلى «تابوهات مقدسة» كل من ينتقدها تلاحقه لعنة «كتائب الحسبة» التي تتحلق حول الطيب».

المعارض الحق

وإلى قضية أخرى مختلفة هي ضرورة توثيق الطلاق كما اقترح الرئيس عبد الفتاح السيسي وأثارت جدلا شديدا بين من يؤيدون الطلاق الشفهي وبين من يعارضونه، وقال عنه في «اليوم السابع» وائل السمري في مقاله في الصفحة الأخيرة: «قال الرئيس أنه يجب ألا نعتد بالطلاق إلا إذا كان موثقًا، وذلك حرصًا منه على أن نتجنب اللغو في مسألة جدية كهذه، طارحًا مخرجًا لأزمة التسرع في اتخاذ قرار الطلاق الذي يتورط فيه ملايين البشر فتخرب بيوت ويشرد أطفال ويتفكك مجتمع، فلماذا يعارض البعض هذا الأمر من باب المعارضة فحسب؟ فالرئيس عبدالفتاح السيسي ارتعب من زيادة هذه الظاهرة، واجتهد في أن يجد لها حلا، فماذا فعلت أنت لكي تواجه هذه الظاهرة؟ الرئيس شعر بالأزمة وفكر وتدبر واهتدى إلى حل ربما لم يعجبك فإلى ماذا اهتديت أنت؟ ولماذا لم تتخذ هذه الدعوة المفتوحة لعلاج الأزمة وسارعت بطرح وجهة نظر جادة من أجل وقف نزيف تفكك الترابط الأسري في مصر؟ ولماذا تصر على استنزاف المجتمع في قضايا فارغة شكلا ومضمونا، محاولا إجهاض أي تجديد وإغماض أي عين متطلعة؟ فمتى سنتعلم أن المعارضة مسؤولية حقيقية أشد صرامة من الموالاة؟ ومتى سندرك أن المعارض الحق هو خير معين للدولة وخير حام لها؟».

مسلمون وأقباط

وإلى أشقائنا الأقباط حيث قام مشكورا في «الشروق» محمد سعد عبد الحفيظ في عموده «حالة» بتذكيرنا بحادثة كدنا ننساها ستظل وصمة عار في جبيننا جميعا، ما لم يقم النظام بتطبيق القانون بصرامة على الجميع قال: «عندما سئلت السيدة سعاد ثابت التي تمت تعريتها وحرق منزلها ومنازل باقي أقباط قرية الكرم في مركز أبو قرقاص في محافظة المنيا قبل 7 شهور: كيف تم حفظ القضية؟ قالت السيدة السبعينية بلهجة صعيدية: «بص يا بيه القضية اتلعب فيها كل الاطراف منهم والشهود منهم واحنا غلابة يا بيه هنروح لهم فين حقنا راح في الرجلين». و»منهم» في هذا السياق تعود على المسلمين الذين تعتبرهم السيدة سعاد الطرف الثاني في القضية «الباغي» أو «الجاني» الذي اعتدى وأحرق وعرّى وسحل، ثم قرر دفن القضية فقط لأن المعتدى عليها مسيحية، ليس لها ظهر ولا سند «الشهود كل اللي شاف حاجة قال عليها قدام المباحث وقالوا أني اتعريت واتبهدلت ملط في الشارع وأن بيوتنا اتحرقت» أضافت المجني عليها وهي تبكي في مداخلة تلفزيونية قبل أيام، وأشارت إلى أنها لم تدخل لا هي ولا أبناؤها القرية منذ طردهم منها قبل أكثر من نصف عام «مش قادرين نرجع لو رجعنا هيبهدلونا العائلة اللي اعتدت علينا كبيره ومعاهم سلاح، وفي الوقت نفسه مش قادرين على المعايش ابني وولاده بيناموا على حصيرة». الحكومة قررت دفن القضية وأهالت التراب عليها منذ البداية وأرسلت وفودها إلى القرية لإقناع الأنبا مكاريوس أسقف المنيا بالتراجع عن موقفه المنتصر لدولة القانون، والرافض لجلسات «تبويس اللحى»، وضغطت على كل الأطراف بما فيها رأس الكنيسة البابا تواضروس، الذي أصدر حينها بيانا يطالب فيه الجميع بـ»ضرورة ضبط النفس وغلق الطريق على من يحاولون المتاجرة بالحدث لإشعال الفتنة الطائفية»، فلحقت القضية بما سبقها من قضايا مشابهة لم يقدم فيها جان واحد إلى المحاكمة بدءا من «الكشح» مروراً بـ»صنبو وأبو قرقاص والعياط والعامرية وكنيسة القديسين» وغيرها العشرات من الأحداث التي أهدرت فيها دولة القانون» .

توقيف خالد يوسف

ومن الأخبار الأخرى التي اجتذبت اهتمام الكثيرين أمس الاثنين خبر ضبط أقراص «الزناكس» « المخدرة المحظورة، مع عضو مجلس النواب والمخرج السينمائي خالد يوسف وبدأت على الفور الشكوك في أن النظام يستهدفه، لأنه من مجموعة نواب يشكلون تكتلا اسمه 25/30 أي المنتمين لثورتي يناير ويونيو/حزيران، لكن تامر عبد المنعم وهو من أشد مؤيدي مبارك وكارهي ثورة يناير دافع عنه أمس بحرارة في بروازه «في الجول» في الصفحة الأخيرة من «اليوم السابع» بقوله: «تم توقيف المخرج السينمائي والعضو البرلماني خالد يوسف في مطار القاهرة ومنعه من السفر إلى باريس بسبب حيازته مئة قرص من عقار «الزناكس» المهدئ، بعد أن شكّك ضابط الأمن في المطار في كتلة ضوئية ظهرت على جهاز التفتيش الشعاعي. أثار هذا الموقف أزمة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد انتشار أخبار القبض على خالد يوسف وفي حوزته أقراص مخدرة وترامادول، على مواقع صحافة إلكترونية بكل أسف، لم تتحر الدقة في نقل أخبارها إلى القارئ. وكان رد خالد يوسف أنه قد اشترى هذه العبوة لزوجته التي تعيش في باريس لعدم توافر العقار في باريس. في حقيقة الأمر أنا لا أرى أي مشكلة في ما قام به خالد، وإن كان قد خالف القوانين، مع العلم أنني من أشد معارضي أفكاره ومعتنقاته السياسية، بل ومن أشد مهاجميه، ولكن أنا لا أخشى لومة لائم في قول الحق، فالرجولة والفروسية تحتمان ذلك. أخيرا تحية لـ«اليوم السابع» الوحيدة التي اختارت بخبرها لفظ توقيف وليس القبض على خالد يوسف».