سالم سالمين النعيمي

الموقف التركي والإيراني المتنافر من المشهد في اليمن، وإنشاء تركيا لقاعدة عسكرية في الصومال، وتغلغل إيران في القرن الأفريقي، والصراع على زعامة العالم الإسلامي، ومشروع «الكاب» وبناء 22 سداً جديداً في منطقة جنوب الأناضول، ما قد يؤدي إلى جفاف اثنين من مصادر المياه الرئيسية لإيران، وصراع تقاسم النفوذ في الجسد العربي المحتضر والاختلافات العديدة بين الدولتين وتنافس وتناقض في الرؤى والمصالح والمواقف إلى حد كبير. وبالرغم من كل ما سبق ذكره قرر الجانبان أن توضع الخلافات البينية جانباً مؤقتاً؛ لمواجهة ما اعتبروه تهديداً استراتيجياً مشتركاً، وهو قيام دولة كردية، وذلك نظراً لوجود نسبة كبيرة من الأكراد في كل من إيران وتركيا، مما قد يؤدي إلى دعوات مشابهة من قبل الأكراد في كلا البلدين.

وعلى مدى أكثر من ست سنوات، كان التنافس الإقليمي بين إيران وتركيا ودعمهما لمختلف جوانب الحرب الأهلية السورية من العقبات الرئيسية أمام إيجاد حل سياسي للنزاع السوري، غير أن التقارب الأخير بين طهران وأنقرة يجدد الآمال في أن تسير العملية السياسية نحو حل موحد - وهو أمر كان يبدو مستبعداً جداً حتى قبل شهر، خاصة بعد أن قام رئيس الأركان الإيراني اللواء محمد باقري بزيارة رسمية بتاريخ 15 أغسطس الماضي إلى تركيا، حيث عقد خلالها اجتماعات مختلفة مع مسؤولين أتراك رفيعي المستوى، من بينهم الرئيس رجب طيب أردوغان، وكأنه إعلان لبداية لعهد جديد في العلاقات بين طهران وأنقرة، وتبع تلك الزيارة قيام أردوغان بزيارته التاريخية لطهران الأسبوع الماضي ومناقشة قضايا محورية على غرار التهديد الكردي، وتحديد مناطق نفوذهما في سوريا وضرورة إيقاف الصراعات في المنطقة وتعزيز حجم التبادل التجاري ليصل إلى 30 مليار دولار بنهاية العام الجاري عوضاً عن 14 ملياراً العام المنصرم، كما وقع البلدان على ثماني اتفاقيات متنوعة.

كما تناول الجانبان آليات تعزيز العلاقات العسكرية عقب الاستفتاء في كردستان العراق، وخاصة أن إسرائيل تدعم استقلال كردستان لخلق نزاعات جديدة، ومن جهة أخرى، تم وضع الخطوات العملية والقانونية لاستخدام العملات المحلية بين الشركاء التجاريين كوسيلة للتبادل في التجارة الثنائية بين الدولتين، ما سيؤدي إلى تخفيف الضغط على العملات الأجنبية واستفادة تركيا من أسعار الطاقة التي ستحصل عليها بالعملة المحلية من إيران، وهو أمر قد يقلب العلاقة بين البلدين رأساً على عقب في السنوات المقبلة، ويعززها بصورة غير مسبوقة، بجانب التعاون في مجال التمويل المالي والخدمات البنكية، كافتتاح فروع البنوك التركية في إيران وشبكة أكثر اتساعاً من فروع البنوك الإيرانية في تركيا.

فهل كان التقارب الإيراني- التركي كذلك رداً مباشراً على السياسة والتوجهات الأميركية في سوريا، ودعمها للقوات الكردية وإبرام اتفاقات عسكرية واقتصادية مع مناطق سيطرة الأكراد؟ فهو ما يتزامن مع تطور العلاقة الأميركية ـ الروسية في سوريا، وهو ما يثير حفيظة وحذر تركيا وإيران، ولاسيما لتعارض بعض تلك الجوانب مع مصالح الطرفين، ويحد من نفوذهما ودورهما في مستقبل سوريا وطبيعة العلاقات لكل من تركيا وإيران مع العالم الغربي وحاجة إيران لحلف قوي يدافع عن مصالحها في مجلس الأمن وملفها النووي، كما أن تركيا من جانبها تبحث عن دعائم ومرتكزات لسياستها وطموحاتها خارج الحلف الأطلسي.

التقارب بين تركيا وإيران سيترجم عملياً إلى اتفاقات مرحلية وموضعية في سوريا والعراق لإجهاض المشروع الكردي، وتتخلى تركيا تباعاً عن مطلب رحيل الرئيس بشار الأسد مقابل نزع فتيل الخطر الكردي، والحصول على طاقة رخيصة واستثمارات وسوق كبير في إيران، ومن جانبها ستتمكن طهران من ضرب المعارضة الداخلية دون ضغوط خارجية حقيقية تذكر، وتجد مدخلاً على التكنولوجيا والتصنيع الحديث من رباعي تحالف الرعب الجديد، وهو ما يدق ناقوس الخطر لدول مجلس التعاون الخليجي ورسالة تحذير موجهة لما تبقى ولو نظرياً من منظومة الأمن القومي العربي، وهو كذلك ما يفسر وجود الدولتين في قلب الخليج العربي من خلال بوابة الدوحة، ولا بد من أن يثير كل ذلك ذعراً حقيقياً لدى صناع القرار العربي، واصطفافاً إقليمياً حتمياً، والدخول في شراكة تاريخية مع إيران وتركيا والصين وروسيا والهند في حلف جديد، يعيد توزيع خريطة القوى في العالم أجمع، ويعطي المنطقة متنفساً من الوقت لعقود مقبلة.