أحمد عبد المعطى حجازى
حين نسأل أنفسنا عن موقف الإسلام من الدعوة المثارة من جديد فى هذه الأيام لمساواة المرأة بالرجل، ماذا يكون جوابنا؟
هناك أكثر من جواب. جواب تقدمه لنا النصوص الدينية، وجواب آخر تقدمه لنا التقاليد والعادات الاجتماعية، وجواب أخير يدعو له الداعون لتجديد الخطاب الدينى وتحرير المرأة والتسوية بينها وبين الرجل فى جميع الحقوق والميادين.
ونحن نعرف أن الإسلام عندما ظهر فى بلاد العرب قبل ألف وأربعمائة عام أعطى المرأة العربية ما لم يكن لها من قبل وساوى بينها وبين الرجل فى حقوق كثيرة ومجالات مختلفة، فى العلم، والعمل، والملكية، وفى اختيار شريك الحياة. لكنه ميز بينها وبين الرجل فى حقوق ومجالات أخري. فالرجال كما تقول الآية القرآنية قوامون على النساء، لأن الرجل كما يقول المفسرون هو المكلف بالانفاق على الأسرة، ولأنه يستفتى عقله.. أما المرأة فتستجيب لعواطفها! ونصيب الرجل فى الميراث ضعف نصيب المرأة. كما أن شهادته فى ساحات العدالة بشهادة امرأتين للاعتبارات التى ذكرت.
ونحن لا نستطيع أن نعتبر الإسلام مسئولا عن هذه الحقوق المنتقصة، لأنه ظهر فى مجتمعات لا تعترف للمرأة بهذه الحقوق ولا تعترف لها بأى حق.وانما يعود الفضل للإسلام، فيما أصبح لها من حقوق فرضها فرضا على المجتمع الذى لم يسلم دائما للمرأة بما حصلت عليه.
لقد خضعت المجتمعات الإسلامية طوال العصور الماضية لنظم سياسية وتقاليد وعادات اجتماعية تأسست على القهر والعنف والطغيان، واجتهدت فى أن تجعل القهر والعنف والطغيان دستورا يلتزمه الجميع ويعمل به الجميع. الحاكم والمحكوم، الغنى والفقير، والمالك والأجير، فالقوى يمارس الاستبداد بقدر ما يستطيع. والضعيف لا يملك إلا أن يسمع ويطيع. ولما كانت المرأة هى أضعف مخلوق فى هذه المجتمعات، فقد أجبرت على أن تتنازل هى نفسها عن الحقوق التى اعترف لها الإسلام بها وساوى فيها بينها وبين الرجل وترضى بما لم تتساو معه فيه. فإذا كان لابد من غطاء دينى تتستر به هذه النظم وتستند له فى اضطهاد رعاياها وإخضاعهم لمنطقها وتحويل كل منهم إلى أداة للطغيان يتقبله ممن هم أقوى منه وينزله بمن هم أضعف ـ أقول إذا كان لابد من غطاء دينى تتستر به هذه النظم فالنص الدينى إذا لم يكن موجودا يخترع. ونحن نعرف أن الأحاديث التى وضعت ونسبت للرسول بغير حق أكثر بكثير من الأحاديث الصحيحة. ومن هذا الطريق أصبحت المرأة فى المجتمعات الإسلامية ناقصة عقل ودين، وصارت أحبولة للشيطان فلابد من حبسها وفرض الوصاية عليها وحرمانها من حقها فى العلم والعمل والمشاركة والاختلاط.
ومن واجبنا أن نعترف بأن هذه الصورة التى رسمها المجتمع للمرأة ومسخها فيها هى الصورة السائدة حتى الآن، وهى الجواب الذى يقدمه رجال الدين على السؤال المطروح منذ دعا قاسم أمين لتحرير المرأة قبل مائة عام إلى أن دعا الرئيس التونسى الباجى السبسى للتسوية بينها وبين الرجل فى الميراث وفى اختيار شريك الحياة قبل شهر أو شهرين.
أعرف بالطبع أن المرأة المصرية تتعلم الآن وتعمل وتصوت فى الانتخابات وترشح نفسها وتتولى الوزارة والإدارة وتجلس فى منصة القضاء، لكنى أجد أن هذا كله استثناء وأن القاعدة مازالت هى الحجاب والنقاب والأمية والختان وزواج الصغيرات وسواها من الممارسات الموروثة والمستوردة المعبرة عن ثقافة أصبحت الآن سائدة هى ثقافة عصر الانحطاط التى أحيتها وأشاعتها جماعات الإسلام السياسى والنظام الذى تحالف معها طوال العقود الماضية وأعلن معها الحرب على النهضة وثقافتها وعلى من مثلوها ودافعوا عنها. وقد رأينا أخيرا أن الجامعة التى شاركت بنجاح فى تحرير المرأة وخرجت لنا سهير القلماوى وعائشة عبدالرحمن، ولطيفة الزيات وسواهن، هى التى تفصل الآن فى مدرجاتها بين الطلاب والطالبات وهى التى تعاقب الآن فتى وفتاة من طلابها لأنهما عبرا ببراءة عن العاطفة التى جمعت بينهما وأعلنا خطبتهما فى حرمها.
هكذا نرى أن الأوضاع الظالمة المفروضة على المرأة مازالت مفروضة عليها وعلى المصريين جميعا، وأنها ليست مجرد تقاليد اجتماعية متخلفة وانما هى سياسة، وأن الذين يميزون بين المرأة والرجل ويرفضون التسوية بينهما هم أنفسهم الذين يميزون بين المسلمين والمسيحيين، ويعلنون الحرب على المواطنة، ويرفضون تحية العلم، ويخلطون بين الدين والسياسة، ويرفضون تقييد حرية الرجل فى الطلاق وفى تعدد الزوجات، ويديرون ظهورهم لحاجتنا الملحة لتجديد الخطاب الدينى والخروج من أسر الخطاب القديم الموروث من عصور العبودية والطغيان.
تجديد الخطاب الدينى معناه تجديد علاقتنا بالدين. وبدلا من أن تكون هذه العلاقة محاكاة للذين عاشوا فى العصور الماضية تصبح فهما جديدا يتجاوب فيه جوهر العقيدة مع حاجات العصور الحديثة وقيمها الإنسانية.
ونحن نعرف أن فى كل عقيدة جوهرا وشكلا. الجوهر دائم ثابت لا يتغير ولا يتحول لأنه ينتمى لعالم المثل المتحررة من قيود الزمان والمكان، والشكل متغير متطور لأنه ينتمى للواقع ويعبر عن الممكن المتاح الذى نستطيع أن نعيد النظر فيه كلما تغيرت الظروف لنختبر قدرته على أن يصلنا بجوهر عقيدتنا والا ينغلق ويصبح سدا بيننا وبينها. ومن هذا المنطلق نطالب بتجديد الخطاب الديني، ليس فقط لأن تجديده يحررنا ويفتح أمامنا طرق الحياة فى هذا العصر ويلبى حاجتنا للشعور بأن مطالبنا الدنيوية لا تتعارض مع عقيدتنا الدينية، ولكن لأن تجديد الخطاب الدينى بالإضافة إلى ما سبق، يجدد الإسلام ويمكن له أن يحيا فى هذا العصر حياة جديدة. وبدلا من أن يأخذه الإخوان والدواعش والسلفيون إلى عصور الظلام نأخذه نحن إلى عصور النور والحرية.
من هذا المنطلق، نطالب أيضا بالتسوية بين النساء والرجال فى كل شيء. لأن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى قام عليها التمييز بينهما فى الماضى لم يعد لها وجود فى الحاضر.
المجتمعات انفتح بعضها على بعض، والثقافات والحقوق والواجبات، لم تعد تميز بين رجل وامرأة أو بين إنسان وإنسان. وهذا هو جوابنا الأخير عن السؤال المطروح.
التعليقات