عبدالله جمعة الحاج

من الأهداف الرئيسية التي حققتها زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا، عقد صفقات تسلح مهمة بين الطرفين، لكن الملفت للنظر هو أن 50٪ من أسلحة الصفقات سيتم تصنيعه داخل المملكة، وهو تطور مهم في شروط مبيعات الأسلحة الروسية للخارج، خاصة العالم العربي.

هذه الاتفاقيات عند تنفيذها ستوفر بشكل مبدئي نحو أكثر من ثلاثة آلاف وظيفة للمواطنين السعوديين، ما يعد عاكساً حقيقياً لعملية التنمية الاقتصادية في المملكة وأسلوباً جديداً في كسب التعاون الروسي في هذا المجال. فطوال السنوات الماضية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وظهور الدولة الروسية بشكلها الحالي، وهي تحاول الدخول إلى منطقة الخليج العربي، دون أن يقودها ذلك إلى التصادم المباشر بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

وبموافقتها على تصنيع 50٪ من الأسلحة المباعة في داخل المملكة فهي تقوي علاقاتها بدول المجلس، على أمل أن يؤدي ذلك إلى عوائد اقتصادية عالية لروسيا.

وما أعتقده هو أن روسيا، ومن خلال زيارة الملك سلمان، تحاول القول بأنه من مصلحتها انتهاج سياسات الحلول الوسط والنفس الطويل مع دول المجلس، وذلك لكي تقوي أواصر علاقاتها بدول «التعاون». ويبدو أن روسيا تحاول من ناحية جيو استراتيجية أن تخلق لنفسها توازناً مع الولايات المتحدة ذات النفوذ الملحوظ في المنطقة. ويلاحظ بأن المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الأخرى لم تستجب بسهولة للجهود الروسية لإقامة علاقات قوية ومتقدمة معها لكي تكسب روسيا مداخل واسعة في الأسواق القوية والقادرة لدول المجلس، خاصة السوق السعودي.

وترى روسيا بأن إقامة علاقات قوية مع السعودية ستفتح لها طريقاً إلى دول المجلس الأخرى، وهذا -كما يعتقد الروس- سيجعل دول المجلس، بالإضافة إلى إيران وتركيا ودول الجوار الجغرافي الأخرى، تأخذ في الحسبان الدور الروسي في المعادلات الإقليمية للمنطقة، خاصة بالنسبة لما يحدث في سوريا والعراق حالياً. فعلى سبيل المثال إذا ما كانت المملكة، ومعها دولة الإمارات والبحرين، قلقة جداً من سعي إيران إلى التسلح النووي، والبناء العسكري الضخم وغير المبرر، ومن احتلال جزر الإمارات الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، ومن التدخل الإيراني السافر في شؤون البحرين وباقي دول المنطقة، ومن الدعم الإيراني لقطر وللإرهاب بشكل عام.. فإن المملكة ودولة الإمارات ومملكة البحرين بحاجة إلى مساعي روسيا وحسن نواياها من جانب، ودعمها واستخدام نفوذها من جانب آخر، لجعل إيران تخفف من غلوها ومواقفها المتشددة والكف عن دسِّ أنفها في الشؤون الخليجية والعربية دون وجه حق.

لقد جاءت زيارة الملك سلمان إلى موسكو لكي تحقق العديد من مصالح الطرفين، لاسيما وقد أصبح الباب مفتوحاً لاستخدام قوتها الناعمة في الخليج العربي، وبأكبر قدر ممكن لكي تمارس سياسة خارجية قليلة التكلفة، واستراتيجية خالية من المخاطر للإسهام في تسوية الخلافات الإقليمية، كصانع للسلام، ولكي تقوي نفوذها عبر الوساطات الناجحة ورعاية التنازلات المبررة والحلول الوسط.

ويعزز هذا الطرح أن الخليج العربي يعد منطقة هامة لصناع السياسة الروس، إذ ستتم معالجة شؤونه كجزء من المحاولات الروسية القديمة المتجددة لإيجاد مواطئ قدم روسية في المياه الدافئة. ويبدو أن روسيا تدرك أهمية المملكة والخليج العربي كمورد مهم للنفط والغاز، وكأسواق مفتوحة لكافة أنواع السلع والبضائع.