كارولين عاكوم
تفاعلت قضية استدعاء الإعلامي اللبناني مارسيل غانم للتحقيق على خلفية استضافة الصحافيين السعوديين إبراهيم آل مرعي والزميل عضوان الأحمري في إحدى حلقات برنامج «كلام الناس»، الأسبوع الماضي، وارتفعت أصوات المحذرة من المسّ بحرية الإعلام وإدخاله في التجاذبات السياسية... واستغلال الأزمة لكمّ الأفواه.
وبعد الصرخة المدوية التي أطلقها غانم، مساء من أمس، متّهماً وزير العدل سليم جريصاتي والقضاء اللبناني بالانحياز، جدّد رفضه في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الخضوع للتحقيق متمسكاً بحقوق الإعلاميين ورافضاً أخذ برنامجه ذريعة لاستغلاله في الأزمة السياسية الحالية، في وقت أصدر فيه جريصاتي بياناً قال فيه: «زمن العهر الإعلامي والمتفلت من أي ضوابط أخلاقية أو مهنية قد ولّى»، وهو ما ردّ عليه غانم بالقول: «كلام وزير العدل مردود له».
وفي مقدمة حلقة الخميس، قال غانم: «كان المطلوب إحضاري وإخضاعي وتوقيعي لعدم التعرّض لرئيس الجمهورية وأنا لم أفعل قط ولن أفعل». وسأل جريصاتي: «هل تحرّكت في ملف المنطقة الحرّة الذي كنتَ أنت بطله وكازينو لبنان والملف الأكبر: أحداث عرسال، حيث رأينا عناصر (داعش) يغادرون في قوافل مكيّفة في صفقة فضيحة؟ وماذا فعلتَ لتأتي بقتلة رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري المطلوبين للعدالة؟»، مشيراً كذلك إلى تجاهل الشكاوى المقدمة ضد وسائل إعلام نشرت مقابلة مع حبيب الشرتوني قاتل رئيس الجمهورية السابق بشير الجميل وغيرها.
وعن مسار القضية، قال مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» إنها أخذت مسارها الطبيعي وتمت إحالتها إلى النيابية العامة التمييزية في جبل لبنان، برئاسة القاضية غادة عون التي كلّفت الجهات المختصة إجراء التحقيقات الأولية ليحدّد على ضوئها الأطراف المسؤولة عن الإساءة التي صدرت على لسان آل مرعي والأحمري بحق رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ووزير الخارجية جبران باسيل وقائد الجيش العماد جوزيف عون، بحسب ما جاء في الكتاب الذي كان قد وجّهه وزير العدل إلى النائب العام لدى محكمة التمييز طالبا منه إجراء التعقيبات والتحقيقات بحقهما.
وأوضحت المصادر أنه «وعلى ضوء نتائج هذه التحقيقات تحدّد الجهات المسؤولة عما وصفه جريصاتي في كتابه بـ(كلام اتهامي خطير يقع موقع التحقير والافتراء الجنائي ووصل إلى حد الاتهام بالخيانة والإرهاب والتهديد المباشر بالحرب على لبنان)»، مضيفةً: «وانطلاقاً منها أيضاً سيتم معرفة ما إذا كان أي شخص في البرنامج أو قناة (lbc) التي تبثّ برنامج غانم متواطئاً مع الصحافيين السعوديين أو تعمّد التقصير أو أن استضافتهما أتت عن سابق إصرار للإساءة إلى الرئيس والمسؤولين».
في المقابل، قال غانم لـ«الشرق الأوسط»: «كلام وزير العدل مردود إليه وهو يحاول زجّ الإعلام في حساباته السياسية واستغلال الوضع السياسي الذي يمر به لبنان لإقفال الأفواه والتهويل على الإعلام وهذا ما لم ولن أقبل به»، مضيفاً: «ما حصل لا يسيء لي فقط بل يطال كل الإعلام الذي أنا جزء منه، وما قمتُ به هو لدقّ ناقوس الخطر كي لا نصل إلى مرحلة يتجرأ فيها الجميع على الإعلام. لست متّهماً ولم أرتكب جريمة ولا أقبل باتهامي وما قمتُ به في برنامجي من خلال استضافة الزميلين السعوديين هو واجبي الإعلامي المهني الذي يفرض عليّ إظهار الرأي والرأي الآخر»، لافتاً إلى أنه كان المطلوب منه في إفادته إعطاء معلومات عن هويتي الأحمري وآل مرعي.
وسأل غانم: «هل بات المطلوب سماع الرأي الواحد في لبنان واقتصار دور الإعلام على التطبيل والتزمير؟»، مؤكداً: «برنامجي سيبقى مفتوحاً للجميع ولا أقبل بحصاره»، كاشفاً عن محاولات عدّة لإيقافه ورسائل وصلت إليه مصدرها طرف واحد «لاتخاذ الحيطة والحذر في أسلوب يشبه أساليب اعتدنا عليها خلال سلطة النظام السوري ومخابراته»، وأضاف: «ما علمته أن هناك محاولات لاستغلال ما حصل على الهواء، ومن ثم استدعائي لفتح باب التفاوض على إيقاف البرنامج».
وعما إذا كان قد وصل إليه معلومات حول كيفية التعامل معه في المرحلة المقبلة بعد رفضه الإدلاء بشهادته، قال غانم: «لا أعلم ماذا سيفعلون لكن عادة السلطة بعد ارتكابها الخطأ تبحث عمّن ينتشلها وهذا دور لم ولن ألعبه بل متمسك بموقفي حتى النهاية».
ولاقت قضية غانم تضامناً لبنانياً لافتاً من قبل معظم الأطراف السياسية، ورأى وزير الإعلام ملحم رياشي أن «الظرف الذي نمر به لا يسمح بأن نضيع البوصلة ونتلهى بمهاترات لا تجدي نفعاً، ومع تأكيده على أن «التطاول على الرموز الوطنية غير جائز في أي ظرف، خصوصاً عبر الإعلام، لفت إلى أنه في حال وقع الإعلام في أي خطأ غير مقصود هناك آلية متبعة علينا جميعاً التقيد بها، من خلال وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام».
وأثنى غانم على دعم رياشي له قائلاً: «أقدّر موقف وزير الإعلام الذي أكد في اتصال معي دعمه لي (ضدّ الفاشية في التعامل مع الإعلام)».
من جهته، أعلن وزير التربية مروان حمادة في بيان له تضامنه مع غانم «في سياق معركة الحريات» محذراً من أن «أي تعدٍّ على الحرية الإعلامية (...) هو استيلاد مشبوه لمندرجات أزمنة كم الأفواه وحجب الفكر الحر والحكم على النيات. وأخشى أن ما يسعى البعض إليه راهناً يُعد بمثابة استنساخ للمراحل التي شهدت سجن الصحافيين وإقفال صحف ومحطات، وهي مراحل سوداء في تاريخ لبنان».
بدوره، أعلن النائب والوزير السابق بطرس حرب «التزامه الدفاع عن الحريات وتطوعه كمحامٍ للدفاع عن غانم عند أي ملاحقة قضائية له»، وأوضح أن «استضافة ضيوف في برنامج على الهواء لا ترتب أي مسؤولية على المضيف في حال خالف أحد الضيوف القانون»، محذراً من «الانزلاق نحو سياسة قمع حرية الرأي والإعلام والعودة إلى زمن النظام الأمني والاعتداء على الحريات العامة».
وكان اعتبر وزير العدل في بيانه أن «مقدمة برنامج (كلام الناس) أثبتت بصورة قاطعة أن الهستيريا أصبحت متحكِّمة بمفاصل بعض البرامج السياسية، في حين أن زمن العهر الإعلامي والمتفلت من أي ضوابط أخلاقية أو مهنية قد ولّى»، وأضاف: «لا أحد في لبنان اليوم فوق القانون ولا حصانة من أي نوع كانت لمن هو مدعو للإفادة أمام المراجع الأمنية والقضائية المختصة، وأن الاتهامات الخاطئة والتطاول على المقامات والكرامات الوطنية بالمباشر ومن باب الأقرباء والأنسباء هو عمل مدان بكل المعايير والمفاهيم، ولا يكفي أن تتبرأ المؤسسة من إعلامي مقدم برامج لديها لإعفائه من موجباته تجاه وطنه وقوانينه وقضائه».
وأكد أن «حلقة مارسيل غانم لأسبوع خلا أصبحت بيد القضاء وبإشراف القضاة الشرفاء وأمامهم تتم المطالعات وتتحدد المسؤوليات».
جدير بالذكر أن قضية غانم ليست الأولى من نوعها في لبنان، لا سيّما في المرحلة الأخيرة، حيث سجّل استدعاء صحافيين وناشطين مرات عدّة للتحقيق معهم على خلفية مواقفهم السياسية.
التعليقات
التعليقات