فهد عامر الأحمدي

جميع الأمم بدأت كمجتمعات زراعية قبل دخولها مرحلة التصنيع.. وهناك دول مثل أميركا بدأت تغادر مرحلة التصنيع إلى اقتصاد المعرفة والملكية الفكرية.. اختفت منها صناعات تقليدية كالتلفزيونات والتلفونات وتركت أمرها للشعوب الناشئة في شرق آسيا.. تراجعت فيها شركات السيارات والأجهزة الكهربائية، ولكن تقدمت فيها شركات الأبحاث والريادة المعرفية.. أصبحت غوغل وآبــل وميكروسوفت -بالترتيب- أكبر شركات العالم من حيث القيمة السوقية.. تحـول "غوغل" من محرك إلى شركة عملاقة تفوق قيمتها جميع الشركات السعودية (537 مليار دولار)!!

... ولأن المستقبل يتحكم فيه اقتصاد المعرفة (وليس التصنيع أو الخامات الأولية) ما عليك سوى مراجعة عدد الابتكارات والاكتشافات الصادرة من كل أمة لتخمين مستقبلها.. لا يهم إن كانت صغيرة أم كبيرة؛ المهم نسبة ما تنفقه على الأبحاث التطبيقية ومعدل الإبداعات وبراءات الاختراع لعدد البشر فيها..

ففي عام 2014 مثلاً قدمت أميركا 301 ألف اختراع، والصين 233 ألف اختراع، واليابان 227 ألف اختراع، وكوريا الجنوبية 130 ألف اختراع.. ولكن حين تقسم عدد السكان على عدد الاختراعات تكتشف أن الشعب الكوري هو الأكثر إبداعاً بمعدل 2962 ابتكار لكل مليون مواطن..

وهذه المعادلة تنطبق أيضاً على الدراسات العلمية، والأبحاث التقنية، والاكتشافات الطبية التي تنتجها كل دولة.. تطبيقها يكشف أن دولاً صغيرة كـسويسرا وفنلندا والدنمرك وهولندا، كبيرة بمساهمتها العلمية (بل وتتقدم على أميركا وروسيا والصين بمعيار الإبداع الفردي)!!

.. حين أتأمل حالنا -وحال الوطن العربي معنا- أحتار فعلاً، هل ألقي اللوم على إهمالنا لثقافة الابتكار؟ أم تهاوننا في حماية حقوق المبدعين؟ أم عدم توفير بيئة صناعية تحولها إبداعاتهم لمنتجات صناعية؟..

... لسنا أغبياء ولكننا لم ندرك بعد أهمية الابتكارات وحقيقة أن "الملكية الفكرية" أصبحت أهم من الثروات الطبيعية.. ليس أدل على ذلك من تقدم دول لا تملك ثروات طبيعية كاليابان وتايوان وكوريا الجنوبية ولكنها تملك -في المقابل- ثقافات محفزة وبيئة صناعية قادرة على تحويل الأفكار لسلع ومنتجات.