سمير عطا الله
تعلمنا في الحياة، وفي الصحافة، تفادي الجزم والاستباق. وقد عملت بهذه القاعدة طوال ما عقلت، ولكن خلال حملة دونالد ترمب الانتخابية، كتبت هنا أن جميع المرشحين من قبله وعدوا بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، ثم تراجعوا عن ذلك بعد فوزهم. لكنني أراهن هنا، والآن، أنه إذا فاز ترمب، فسوف ينفذ تهديده بنقلها.
في تلك المرحلة، لم يكن أحد يتوقع فوزه، في أي حال، لكن ترمب تحول من مرشح مستبعَد إلى «فلتة شوط» يتقدم جميع الخيول. والمؤسف أن حملته كانت مشوبة بموقفه من المسلمين والمهاجرين. لكن الناس حول العالم كانت تتوقع أن يتجاهل ترمب الرئيس الوعود المستحيلة التي قطعها ترمب المرشح، بدءاً بطرد 11 مليون مهاجر مكسيكي، ووصولاً إلى استفزاز مسلمي العالم في القدس.
منذ قيام إسرائيل، حاول معظم رؤساء أميركا استرضاءها من دون الالتفات إلى ردود الفعل عند العرب. لكنهم توقفوا جميعاً عند مسألة القدس. فقد كانوا يدركون أنها تتجاوز النزاع العربي - الإسرائيلي إلى مشاعر المسلمين جميعاً. وكانوا يعرفون من خلال تجاربهم السياسية وحياتهم في الكونغرس، أو الإدارة، أن مثل هذه الخطوة لا نهاية لمضاعفاتها. لكن المؤسف أن ترمب جاء من عالم لا تجارب سياسية فيه ولا اهتمامات تاريخية.
وإذا كان حقاً ينوي إيجاد حل للقضية الفلسطينية، فقد اختار الدخول إلى ذلك من الباب المسدود. وقد ذهب الرئيس محمود عباس في تنازلاته مرة إلى حد القول إنه لا يريد حق العودة إلى مدينته صفد. لكن ما من فلسطيني، أو عربي، أو مسلم، يمكن أن يقول إنه لا يريد القدس.
وهناك أيضاً موقف الأوروبيين المعترض على الخطوة الأميركية. وموقف موسكو التي عادت إلى حضن كنيستها. وهناك مشاعر ومواقف عدد كبير جداً من الأميركيين أنفسهم. فلماذا الإصرار على مثل هذه الخطوة؟
ومرة أخرى أغامر بالمراهنة للقول إن ما من دولة أخرى معتبرة في العالم ستحذو حذو الإدارة الجمهورية في نقل سفارتها إلى القدس. هذا عمل سياسي اعتباطي لا يليق بأميركا ولا يمكن أن يليق على مرور الزمن والذاكرة الضعيفة، فالقدس ليست رمزاً سياسياً، بل رمز روحي لا يعترف بالمدة الزمنية.
التعليقات