عقل العقل

 صحيفة الإندبندت من الصحف الجادة في بريطانيا، والتي أوقفت طبعتها الورقية قبل عام، بسبب التحديات التي تواجه الصحافة الورقية في العالم، اطلعت قبل أيام على افتتاحيتها عن المملكة وقيادتها. والحقيقة أن المملكة تتعرض لحملة إعلامية شرسة في الإعلام الغربي، وخصوصاً في بريطانيا والولايات المتحدة، والمتابع لهذه الحملة يعتقد أن لندن ونيويورك قد خلتا من القصص الصحافية مقارنة بما تفرده هذه الصحف عن السعودية من أخبار ومقالات. لا مشكلة من وجود هذه التغطية لقضايانا في الإعلام الغربي، ولكن السؤال هل هذه التغطية تتوافر فيها الموضوعية والصدقية التي تتعاطى بها هذه الوسائل مع قضاياها الداخلية؟

عودة إلى «افتتاحية» الإندبندت، فمن يقرأها يعتقد أنها كتبت خصيصاً لقناة الجزيرة القطرية، فهذه الأخيرة تفرد البرامج وتستقطب الضيوف حول ما جاء في هذه المقالة، حول الأوضاع في اليمن، وتحاول أن تكرس أن إيران هي المنتصر في الصراع في الشرق الأوسط.

إن ما أثار الإعلام الغربي حول التدخلات الإيرانية في العالم العربي هو سياسة «الحزم» التي اتخذتها المملكة في ملف اليمن، وكذلك السياسة الواضحة تجاه إيران من قبل الرياض، ويبدو أن مثل هذه الهجمات الإعلامية الغربية توافقت مع تصريحات السفيرة الأميركية هيلي ووزير الدفاع الأميركي بأن الصواريخ التي يطلقها الحوثيون على المملكة هي صناعة إيرانية.

مثل هذه الحملات الإعلامية هي للتشويش على هذه الحقائق، التي تثبت أن إيران هي راعية للإرهاب في المنطقة، وأن الاتهامات السعودية لطهران لم تأتِ من فراغ، وربما تكون هذه المقالات الصفراء بسبب تغيّر الأوضاع على أرض الواقع في اليمن، وانفتاح الرياض وأبوظبي على كل المكونات السياسية هناك، والتي قد تكون بعض القوى الغربية متوجسة من قرب ساعة «الحزم» في اليمن، ومن جهة أخرى، فإن انفتاح الرياض على العراق على جميع الصعد يبدو أنه استفز بعض الغرب وبعض الدويلات في منطقتنا، والغريب أن مثل هذه المقالات لا تبرز مثل النجاحات الديبلوماسية السعودية التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ونجد الخطاب الإعلامي الغربي يكرر مقولات شخصية لا تقدم ولا تؤخر في عالم السياسة.

قضايا التطرف والإرهاب، التي كانت تتهم بها المملكة في السنوات الماضية، الآن نجد الصمت مطبقاً على تلك المنصات الإعلامية عندما تصدت الرياض لكل أشكال التشدد والإرهاب، وانفتحت على كل المكونات الدينية في العالم، ولن أتحدث عن عملية التحديث التي تمر بها المملكة في كل المجالات، والتي كانت تتباكى عليها بعض تلك الصحف، الحقيقة الثابتة التي لا يفهمها البعض، أن ما تعيشه المملكة من تغيّر هي ضرورات داخلية، وهذا لا يعني أننا نعيش في معزل عن العالم من حولنا.

فلنأخذ مثالاً على ذلك قضية «الحملة على الفساد» التي أعلن عنها الملك سلمان، وأكد عليها في كلمته في مجلس الشورى الأسبوع الماضي، ما يؤكد أنها حملة لن تتوقف، وتتفق مع التحولات الاقتصادية التي يقودها الأمير محمد بن سلمان، فانظر كيف يختلق الإعلام غير الموضوعي القصص الخرافية حولها.

أختم بما قاله الكاتب البريطاني أليستر سلون، أن النظام السعودي «يحظى بشعبية كاسحة في السعودية، بعكس ما يصوره بعض الإعلام الغربي»، ومن هنا وجب إيصال هذه الصورة، وهذه المهمة تتطلب مداخلات سعودية قوية باللغة الإنكليزية في الصحافة الغربية، فمتى تتحرك الجهات الرسمية لبناء استراتيجية لتصحيح صورتنا في الخارج مبنية على حقائق ما يحدث في الداخل؟