عبدالمحسن هلال
جميل ما يحدث في أمريكا، أعطاها ترمب، دون قصد، فرصة لإعادة اكتشاف نفسها.. قيمها ومبادئها، أتحدث هنا عن الداخل الأمريكي أما سياستها الخارجية فجميعنا يعرف أن لا مبادئ ولا قيم في السياسة. بداية علينا تذكر أنه صندوق الانتخاب وأن الأغلبية أحضرته، غير أن أسس الديموقراطية ضمان حقوق الأقلية وفصل السلطات وسيادة القانون، هذا ما نشأ عليه الأمريكان وعرفوه من دستورهم، وما يحدث الآن يضع ديموقراطيتهم ودستورهم وسلطاتهم، بما فيها السلطة الرابعة، على المحك، إما أن ينجح ترمب وتسقط أمريكا، أو أن تثبت أمريكا استحقاقها نصب تمثال الحرية على بوابتها.
مواطني سبع دول فقط لأنهم مسلمون، أو أن بلادهم غير مستقرة، كان الشرارة التي دفعت عشرات الآلاف من شرفاء أمريكا للخروج تضامنا مع لاجئين هربوا من حروب أمريكا في المنطقة أو خذلانها وترك المهمة لروسيا التي أكملت التهجير. أثار القرار ردود فعل عالمية لعنصريته، دول ومنظمات عالمية حقوقية وإنسانية أكدت أنه سيزيد نسبة الإرهاب، بيد أنها جميعا غير مؤثرة، الداخل الأمريكي وحده المؤثر وعلى بقية العالم الانتظار. والبداية مشجعة، أمر قاضية نيويورك وإن عطل القرار جزئيا فقد أكسب رفضه ومقاومته زخما، ممانعة المدعية العامة بالوكالة للقرار ثم إقالتها أعطاه دافعية، قرار مدعي عام واشنطن مقاضاة القرار وسع المقاومة، الموقف الرافض لبعض أعضاء الكونجرس سيمنح مناهضته شرعية، اتساع حجم المظاهرات سيكسبه شعبية. هو صراع فارق بين مفهومي الحضارة والتمدين، وعلينا شكر السيد ترمب لإعطائنا فرصة رؤية الأقنعة وهي تتساقط إذا وصل الأمر للمحكمة العليا.
إسلاميا وعربيا ليس لنا من الأمر شيء، لكنا لو أنفقنا مليارات لما نجحنا بالحصول على ثلث التعاطف والتفهم الشعبي العالمي الحالي للإسلام، لم يعد لنا سوى الحفاظ على مصالحنا بحذر أكبر ومحاولة الاستفادة من المتغيرات الدولية. ثمة إرهاص لوفاق أمريكي روسي لإنشاء نظام عالمي جديد وتوازع مناطق النفوذ، سيظل نظاما أحاديا لتوافق قوتيه، تماما كما حدث بعد الحربين العالميتين، لكنه، عكس ما يقول كثيرون، لن ينتج سايكس بيكو جديدة اعتمادا على شرطين أحدهما ضروري والآخر كاف، أما الضروري فتنبه العرب لأبعاد اللعبة الجديدة وأن لديهم كثيرا من أوراقها، وأما الكافي فتحرك الدراكون الصيني لمواجهة الدب الروسي والنسر الأمريكي، مواجهة تؤجلها بكين دوما بزعم المزيد من الاستعداد، تحرك سياسي اقتصادي، فكل ما يحدث يغري الصين بمد نفوذها، بنت جسورا إلى أفريقيا وغزت أسواق أوروبا وأمريكا، وتبحث الآن عن حلفاء محتملين، ويفيد العرب ملاقاتها لضمان عدم وضع بيضهم كله في سلة واحدة، أما إن تحرك مع الصين آخرون أقوياء اقتصاديا لحماية مصالحهم بخلق نظام اقتصادي عالمي لا يعتمد الدولار كمرجعية فسيكون بديلا مناسبا للنظام العالمي المتعسرة ولادته.
التعليقات