عثمان ميرغني 

 بموازاة الجدل والغضب بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب حظر دخول رعايا سبع دول إسلامية، إضافة إلى القرارات الأخرى التي خلقت بداية عاصفة لولايته، بدأت أصوات مهمة في الولايات المتحدة تحذر من رجل الظل المخيف الذي تعتبره المحرك الحقيقي لهذه القرارات، وتقول إنه يمثل خطرًا جديًا؛ لأنه يؤثر بشكل كبير في عقل الرئيس وقراراته. فالرجل يتحرك بآيدولوجيا يمينية متطرفة، ومولع بالتاريخ العسكري وباستراتيجيات الحروب، ولا يخفي كرهه للنخبة والمؤسسات في واشنطن، ولديه أجندة يسعى لتنفيذها.


هذا الرجل هو ستيف بانون، كبير المخططين الاستراتيجيين في البيت الأبيض، الذي يعتبر من الشخصيات النافذة القريبة من أذن الرئيس وأفكاره. وقد برز دوره ونفوذه بشكل واضح خلال حملة ترمب لانتخابات الرئاسة، وإبان فترة تشكيل طاقم الحكومة، وظهرت بصماته في بعض سياسات وخطابات الرئيس. ويقال: إنه وجاريد كوشنر، زوج إيفانكا ابنة الرئيس المفضلة، يعتبران الأكثر نفوذًا اليوم في فريق المستشارين المحيطين بترمب.
من هذا المنطلق، فإن بعض وسائل الإعلام الأميركية في إطار تغطيتها أحداث الأيام الماضية بدأت تتساءل صراحة عمن يتحكم في البيت الأبيض ويقف وراء قرارات الرئيس الأخيرة التي وضعت أميركا في مواجهة مع نفسها ومع العالم. صحيفة «نيويورك تايمز» مثلاً خصصت افتتاحيتها الرئيسية يوم الثلاثاء الماضي للتحذير من الرجل الذي تعتبره خطرًا، واختارت لها عنوانًا في شكل تساؤل: الرئيس بانون؟
الافتتاحية كانت مرفوقة برسم لوجه مركب من نصفين، العلوي بانون، والأسفل ترمب. الرسالة كانت واضحة، وهي أن بانون هو العقل المخطط والموجه، بينما ترمب هو الفم الذي يردد الشعارات والسياسات. وأشارت الصحيفة إلى أن ترمب منح في أمر رئاسي صادر يوم السبت الماضي بانون صلاحيات واسعة بتعيينه في مجلس الأمن القومي، في الوقت الذي حد فيه من دور اثنين من أعضاء المجلس المهمين، هما رئيس الأركان المشتركة ومدير الاستخبارات الوطنية. واختتمت بتحذير من أن القرارات الأخيرة المثيرة للجدل مثل فرض حظر على دخول المسلمين من سبع دول إسلامية، والتسريع ببناء جدار على الحدود مع المكسيك، لا تتسبب في عزل أميركا وتشويه صورتها فحسب، بل تهز صورة ومكانة الرئيس الجالس في البيت الأبيض.
«نيويورك تايمز» لم تكن وحدها التي توقفت في خضم عاصفة قرارات ترمب الأخيرة أمام الصعود السريع لستيف بانون، فقد تناولت الموضوع وسائل إعلامية أخرى بارزة لا يمكن هنا حصرها كلها، أو معالجة كل ما كتبته لتأكيد خطورة دور هذه الشخصية المثيرة للجدل التي تحمل آراء متطرفة موثقة ومنشورة، من بينها آراء يعبر فيها عن عدائه للإسلام. لكن ربما لا بد من وقفة قصيرة مع ما نشرته صحيفة «واشنطن بوست» أول من أمس عن بصمات بانون في كل القرارات العاصفة الأخيرة التي أصدرها ترمب، ومن بينها بالطبع قرار حظر دخول رعايا دول إسلامية، ووقف استقبال اللاجئين السوريين. فقد أعادت الصحيفة نشر مقاطع من حوار إذاعي أجراه بانون في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وكان وقتها لا يزال يشغل منصب الرئيس التنفيذي لموقع «بريتبارت» الإخباري اليميني المتطرف. الحوار كان مع النائب الجمهوري رايان زينك ودار حول خطة الرئيس السابق باراك أوباما للسماح باستقبال عدد من اللاجئين السوريين في أميركا. فعندما قال زينك «إننا يجب أن نوقف استقبال اللاجئين حتى نتمكن من فحص خلفياتهم والتأكد منهم» (بسبب القلق من تسرب إرهابيين وسطهم)، قاطعه بانون: «لماذا نسمح بدخولهم أصلاً؟». ومضى ليتحدث عن رأيه بأن فحص اللاجئين والقادمين من دول ذات أغلبية إسلامية يكلف أموالاً أوْلى بأميركا أن تنفقها على نفسها، وأنه (بانون) يرى بوجوب منع دخول القادمين «من تلك المنطقة» لعدد من السنوات.
هذا هو بانون الذي من خلال كلامه الواضح يمكن فهم خلفيات الشعار الذي رفعه ترمب خلال الحملة الانتخابية عن حظر دخول المسلمين، ثم سعى للتخفيف منه عندما واجه انتقادات شديدة، حذرته من أن خطوة كهذه تعتبر فرزًا عنصريًا ودينيًا، وستكون غير دستورية أو قانونية، ومخالفة للقيم الأميركية والمواثيق الدولية، وضارة كذلك بصورة أميركا في العالم وبمصالحها وعلاقاتها مع العالم الإسلامي.
وعلى الرغم من أن ترمب عندما أصدر قرار الحظر سعى للتخفيف من أثره أكثر بأن حصر قرار منع الدخول في سبع دول، وقال إنه سيكون مؤقتًا لمدة ثلاثة أشهر يتم خلالها إعداد إجراءات الفحص المشدد، إلا أنه واجه موجة واسعة من الانتقادات والمظاهرات داخل أميركا وخارجها.
بانون، كما يبدو، لن يتوقف عن محاولة تمرير أجندته عبر نفوذه الجديد في البيت الأبيض، وسيضع إدارة ترمب في مواجهة مطبات كثيرة، وبعضها ربما يكون خطيرًا، لا على الإدارة فحسب، بل على أميركا.. وربما على العالم كله إذا غلب على الرجل ولعه بالحروب ..