زهير فهد الحارثي

بوصلة النظام الدولي تتجه لعالم متعدد الأقطاب، بدليل وجود مؤشرات وظواهر سياسية واقتصادية ما زالت تتشكل ملامحها وبدليل عودة روسيا للمسرح الدولي وصعود قوى أخرى كمجموعة البريكس، ما يعني كسراً لاحتكارية القطبية ودفعاً باتجاه التخلص من القيادة المركزية للعالم..

مرحلة مختلفة يبدو أن المنطقة تعيشها الآن على خلفية المتغيرات الإقليمية والدولية، وستشهد تحولات واستحقاقات لا تماثل ما واجهته دول المنطقة من قبل. هناك عدة قراءات محصلتها نتيجة واحدة في أن المشهد يسير إلى حال مغايرة. رئيس جديد في البيت الأبيض وحضور روسي لافت في المنطقة وتقارب روسي أميركي قد يشكل صياغة جديدة لوجه المنطقة والعالم على حد سواء. لا ننسى أن لواشنطن مصالح في المنطقة وأعلنت الإدارة الجديدة عزمها على مواجهة داعش وكارثة اللاجئين التي وصلت لأوروبا. البيت الأبيض بذلك يؤكد تجاوزه أسلوب إدارة الأزمة وانتقل للقيادة الفاعلة ما يعني الانخراط في المنطقة عسكريا وسياسيا واقتصاديا.

واضح أن قواعد اللعبة الدولية قد تغيرت وهناك تموضع جديد للسياسة الدولية في المنطقة. هذا يعطي انطباعا بأن انفراجا قادما للملفات الساخنة يدفع باتجاه إيجاد مخارج وحلول. ومع ذلك علينا أن نقر أن اختلال توازن القوى في المنطقة والاختلاف في أولويات الدول الإقليمية، وعدم الرغبة في التوصل لصيغة مشتركة بينها، وكذلك التقارب الصيني الروسي المؤثر وانعكاسات ذلك على طبيعة العلاقة مع واشنطن كل ذلك كان من أسباب التأزيم في المنطقة إن أردنا الحقيقة.

النظام الدولي ومنذ التسعينيات يدور الحديث حول اتجاهاته وطبيعته. تتجدد هذه الاستفهامات حول ما إذا كانت الزعامة في العالم وحيدة أم أنها ثنائية أم متعددة، خصوصا مع تراجع مكانة الولايات المتحدة ودخول منافسين جدد إلى الساحة قبل مرحلة ترامب الجديدة بالطبع. مع أن تفرد دولة بعينها لتتحكم في مصير العالم بات أمراً غير مستساغ كونه يكرس الإلغاء والإقصاء لبقية الدول وهو ما يتعارض مع مبادئ القانون الدولي.

بوصلة النظام الدولي تتجه لعالم متعدد الأقطاب، بدليل وجود مؤشرات وظواهر سياسية واقتصادية ما زالت تتشكل ملامحها وبدليل عودة روسيا للمسرح الدولي وصعود قوى أخرى كمجموعة البريكس، ما يعني كسرا لاحتكارية القطبية ودفعا باتجاه التخلص من القيادة المركزية للعالم. مثل هذا التوجه يصب في تقديري لصالح النظام الدولي كونه يتيح لكل دولة حرية الاختيار والقرار والحركة دون الخضوع لهيمنة أحد.

دعونا نتذكر أنه منذ عام 2008 بدأت واشنطن تفقد مساحات في العالم لمصلحة روسيا حيث استطاعت موسكو منذ الحرب الروسية - الجيورجية أن تقوم بتحجيم الامتدادات الأميركية إلى معظم الجمهوريات السوفياتية السابقة، أضف إلى ذلك فشلها في أفغانستان والعراق لتصل إلى مرحلة من الانزلاق في فترة أوباما والذي خرج من البيت الأبيض والعالم في وضع أسوأ.

ولكن ماذا عن حال عالمنا العربي؟ ما جرى ويجري في عالمنا العربي يدفعنا للقول وبمزيد من الشفافية إنه ومنذ التحرر من الاستعمار لم يعش العالم العربي حالة من الانكشاف كما يعيشها اليوم. وطن عربي من اثنتين وعشرين دولة يواجه تحديات وقد تختلف من دولة لأخرى، منها ما هو داخلي وما هو خارجي، بعبارة أخرى تتعرض بعضها لعوامل تهديد خارجية وينزف بعضها الآخر من معاناته المزمنة الذاتية. كالتوترات الطائفية وقضايا التجزئة والاحتلال المباشر للحدود وفشل المشروع التنموي والتخلف في مجالات العلم والتقنية، وارتفاع نسبة الأمية والتبعية الاقتصادية وشح موارد المياه وارتفاع نسبة الفقر. وحالات التمرد والحركات الانفصالية والتبعية السياسية، ويبدو أن هذا هو الحال.

ماذا فعلت تلك الدول للخروج من هذا المأزق؟ لا شيء بل ارتأت بعضها تأجيل الشروع في الإصلاحات، أضف إلى ذلك الثقافة المضادة بالتأكيد شكلت نمطا من وعي التخلف الذي ترسخ في الحياة الاجتماعية. أيضا هناك أفعال القتل والصراع وتفجير الطائفية وإثارة الفتنة مشروعات ممنهجة استهدفت مجتمعاتنا وجاءت في سياق هز الأمن والاستقرار. حقيقة المأزق الذي تواجهه تلك الدول إما أنها مستهدفة أو بسبب فشلها في النهوض بواجباتها، وفي كلتا الحالتين يكشف وبامتياز غياب مقومات الاندماج الاجتماعي، وعدم بناء دولة تنموية يسودها الدستور والقانون والمواطنة وهذه هي كل المعضلة إن أردنا الصراحة!