رندة تقي الدين

من سيصل بعد شهرين إلى منصب رئاسة فرنسا خلفاً للرئيس هولاند؟ قلما كان هذا الانتخاب الرئاسي ضبابياً بالنسبة إلى توقع النتيجة. فاستطلاع الرأي الأخير الذي نشرته صحيفة «الفيغارو» أظهر أن مارين لوبن ستصل إلى الجولة الثانية في ٧ أيار (مايو) ومعها المرشح الشاب الصاعد إيمانويل ماكرون الذي سيفوز في الدورة الأولى على مرشح الحزب الجمهوري فرانسوا فيون الذي تراجعت شعبيته بسبب تحقيقات القضاء حول ما إذا كانت زوجته تقاضت أجراً للقيام بعمل فعلي كمساعدة له عندما كان نائباً أم أنها لم تفعل ذلك. ويؤكد هذا الاستطلاع أن لوبن ستخسر في الجولة الثانية للانتخاب، إذا كان في وجهها ماكرون أو فيون. ولكن على رغم نتيجة هذا الاستطلاع فإن خطر فوز لوبن وارد بقوة هذه المرة، لأن خطابها لم يعد يخيف الأوساط الشعبوية الفرنسية. فكثيرون في فرنسا يقولون إنه لا يمكن وصولها إلى سدة الرئاسة مثلما حصل مع دونالد ترامب لأن فرنسا ليست أميركا. فاختلاف فرنسا عن أميركا لا شك فيه. ولكن خطاب لوبن يجذب البعض في الأوساط الشعبية في ظروف قارة أوروبية تشهد تدفق المهاجرين من جميع أنحاء دول الأزمات في أفريقيا والشرق الأوسط وبطالة متزايدة وتهديدات إرهابية من جهاديين تربوا في ضواحي فرنسا وذهبوا إلى التجنيد مع «داعش».

إن تركيز لوبن على شعار «فرنسا أولاً» مثل ترامب وإجبار الشركات على تشغيل فرنسيين بفرض ضرائب وعلى ضرورة الابتعاد من بيروقراطية بروكسيل عاصمة الاتحاد الأوروبي تعجب أوساطاً عدة. وكل ما تقوله عن الإسلام والمسرحية التي افتعلتها في لبنان عندما زارت المفتي عبداللطيف دريان ورفضت تغطية رأسها جذاب للتيار الذي ينبذ الإسلام في فرنسا. فهي كانت على علم بأن زيارة المفتي على غرار ما يحصل عند زيارة البابا في روما تستدعي تغطية رأسها، وعلى رغم ذلك أصرت على الذهاب إلى دار الفتوى وهي تدرك أنه لن يستقبلها من دون غطاء. وأسرع الإعلام في نقل صورها وهي مستاءة ورافضة وضع الحجاب وذلك لزيادة شعبيتها في بعض الأوساط الفرنسية وخصوصاً بين الذين يخلطون بين الإسلام والإرهاب وكأن ٥ ملايين مسلم فرنسي كلهم إرهابيون.

صحيح أن استطلاعات الرأي تراهن على خسارة لوبن الانتخابات أمام ماكرون أو فيون لكن على رغم ذلك فاحتمال فوزها وارد وغير مستبعد. والكارثة الكبرى هي أن يتم انتخابها. فهذا قد يكون بمثابة انقلاب في فرنسا وفي أوروبا. لوبن تريد إخراج فرنسا من الاتحاد الاوروبي وتطمح إلى «بريكزيت» آخر. وإذا تم ذلك فسيعني تفكك أوروبا، لأن فرنسا مع ألمانيا هما محرك الاتحاد الاوروبي. ولوبن تريد الخروج من العملة الأوروبية والعودة إلى الفرنك الفرنسي مع كل نتائج ذلك على المستوى الاقتصادي وزيادة الدين الفرنسي. ثم إنها إذا أتت إلى الحكم سيكون هناك المزيد من الاضطهاد للجالية المسلمة في فرنسا والإسلام في شكل عام، كما أن سياسة فرنسا الخارجية وثوابتها ستتغير علماً أن كلا المرشحين ماكرون أو فيون يعتزمان على تغييرها. ومع لوبن سيكون كل من يحمل جنسية أخرى غير الفرنسية مهدداً بأن يبقى بجنسية واحدة، إذا طبقت قانون الجنسية الواحدة لغير الأوروبيين. كما أن مجيء لوبن سيغير وجه فرنسا البلد الذي يحترم قيم المساواة والحرية والأخوة، لأن ذلك لن يكون لا مع من أصله أجنبي ولا مع مسلمي فرنسا. فالخطر جدي أن يتم انتخابها خصوصاً أن جزءاً كبيراً من ناخبي مرشح الجمهوريين فيون قد يصوتون لها إذا خرج مرشحهم من الدورة الأولى. والمشكلة أن كثيرين غير مقتنعين لا بفيون ولا بماكرون والامتناع عن التصويت أو البطاقة البيضاء قد تكون لمصلحتها. فالتمني أن يتحول استبعاد فوز لوبن إلى واقع لتفادي تغيير وجه فرنسا وقيمها. ولكن الخطر وارد.