أمين طلال

لست هنا بصدد الحكم على طائفة أو على عقليات، إنما أتساءل فقط: من أين تأتي هذه التجليات لدى الملالي والحجج والآيات؟ وما أهدافهم وغاياتهم هنا؟

ليس للكذب معنى واحد محدد، وليست له غاية محددة، إنما له غايات ومعان متعددة، فيكذب الزوج على زوجته، أو الصديق على صديقه، أو الموظف على مديره، أو السياسي على المجتمع، أو الإعلامي على مشاهديه، ويكذب كذلك الشيخ الجليل على أتباعه -وهذا محور الحديث- لكنه ليس حديثاً عن أي شيخ ولا عن أي كذب، إنما هو عن نوع من الكذب لم أجد له أي تصنيف أو تعريف، هو كذب هش ركيك مفضوح، أشبه ما يكون بالهذيان والهرف، كذب يخرج من أفواه أناس يحملون ألقاباً أضخم من هاماتهم، ما بين مُلّا وآية وحُجة، ما بين مرجِع وصدر وعلّامة.. إلخ، من الألقاب التي تُوهم بأن حاملها نابغة الزمان، فإذا ما تحدث بان فوراً أن عقله والهواء سواء.

والأمر لا يحتاج إلى بحث وتمحيص وتدقيق، فمواقع التواصل وفرت على الراغبين هذا العناء، يكفي أن يكتب أحدنا عبارة «كذب الملالي» في اليوتيوب مثلاً ليقف بنفسه على نوع جديد من الكذب، نوع رغم ركاكته ووضوح ضعفه وكمية السخف فيه، إلا أنه يلقى الرواج والترحيب، بل ويترك أثراً في عقول جمع غفير من الحضور، فأمام كل مُلّا ومرجع وحجة جمهور غفير يستمع منه للكثير من الهراء، فلا يعترضون ولا يكتفون بالصمت، بل يتفاعلون بوجدانهم مع ما يقول، يبكون ويلطمون ويصرخون بـ«يا حسين» رغم إدراكهم أنه يقول كلاماً لا وزن له! إنهم يدركون أن محدثهم كذابٌ أفاك، وأن ما يقوله غير قابل للتصديق أبداً لشدة سخفه، ومع هذا يتفاعلون ويلطمون!

وبالمثال تتضح الصورة –إن اتضحت!- فهذا «أسد الولاية» يكشف للجمهور الذي أمامه، أن العصفور سمي بهذا الاسم لأنه رفض الإقرار بالولاية! والحكاية أن الولاية عرضت على طائر بحجم النعامة اسمه «فور»، فرفض الإقرار بها، فأخذت بقية الحيوانات تتداول فيما بينها أن الطائر «فور» قد عصى، ومع تعاقب السنين تقزم الطائر واندمج الفعل «عصى» بالاسم «فور» لينتهي الأمر إلى أن يُسمى هذا الطائر بـ«عصفور»! وهذا معمم آخر يفسر ظاهرة فلكية مرتبطة بالشمس والقمر، وكيف أن الشمس احتفظت بضوئها لأنها منذ البدء أقرت بالولاية حين عرضت عليها، بينما القمر تردد بقبول الولاية فأرسل الله «جبرائيل» إلى القمر فلطمه بجناحه لطمة أذهبت نوره!

لست هنا بصدد الحكم على طائفة أو على عقليات، إنما أتساءل فقط: من أين تأتي هذه التجليات لدى الملالي والحجج والآيات؟ وما أهدافهم وغاياتهم هنا؟ أثناء بحثي عن الجواب وجدت أحدهم يصف هذا النوع من الكذب الهش بأنه «غسيل دماغ مقدس»، لكن غسيل الدماغ يحتاج إلى مجهود وتعب أثناء صياغة الكذبة، بينما هذا النوع من الكذب لا مجهود فيه أبداً، كأن هؤلاء الملالي والمراجع لم يرهقوا أنفسهم أبداً أثناء صياغة الكذبة، وكأنهم لم يبالوا بانكشاف هشاشة كذباتهم، لهذا لا يشغلون أنفسهم أبداً في محاولة حبك كذباتهم جيداً كي لا تنكشف.

في الحقيقة لم أصل إلى العلة هنا، ولا أدري ما الغاية وما الهدف، كل الذي أدريه أن المتحدث يهرف بما لا يعرف، وأن المستمع يلطم ويتمايل ويصفق على ما يعرف يقيناً بأنه مجرد هراء، فلماذا يتمايل إذًا ويصرخ؟! لست أدري!، كل الذي أدريه من بعد تأمل بسيط أن القوم يتربعون على قاع الجهل، ويتسامرون فيما بينهم بأحاديث لا وزن لها، المتحدث على هذا القاع يدرك أنه يكذب، والمستمع يعلم بأن محدثه كذاب، ومع هذا ينصت له جيداً، ويتأثر بما يورده من تجليات لا هدف منها، تجليات لا هي بالتي تقوي إيمان المرء، ولا تزرع فيه قيمة، ولا تشرح له أي شيء، كل ما تسببه أنها تهيج وتحرض على المزيد من اللطم.