سلمان الدوسري

 كما هو متوقع بدأت المعركة القانونية الأولى إثر إقرار قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب» الأميركي، المعروف بـ«جاستا»، بعد أن رفعت أسر 850 من ضحايا هجمات 11 سبتمبر (أيلول) و1500 من المصابين، دعوى قضائية جماعية ضد الحكومة السعودية، زاعمين أنها قدمت دعماً مادياً ومالياً لتنظيم القاعدة لسنوات قبل الهجوم، بالطبع ليست مفاجأة مثل هذه الدعوى القانونية، وكانت الخطوة منتظرة من قبل المدعين وجيش المحامي من خلفهم الذي كان يسن سكاكينه، فالمعركة قانونية خالصة والهدف مادي بحت، أما التأثيرات السياسية الوخيمة على العالم أجمع فبالطبع لن يعبأ بها هؤلاء.


وبعيداً عن خبراء القانون الذين يعتبرون المعركة داخل أروقة المحاكم ستأخذ سنوات طويلة لمحاولة إقرار ما لم تجد معه أي جهة قضائية أو استخباراتية أميركية دليلاً طوال سبعة عشر عاماً، فإن إعلان مثل هذه الدعوى يراد معه إحراج الحكومة الأميركية الجديدة، وبخاصة بعد اللقاء المهم الذي جمع بين الرئيس دونالد ترمب وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وما نتج عن هذا اللقاء من إصلاح في التحالف المعطوب بين البلدين، وإذا كانت الرياض قد عبرت عن قلقها من إقرار هذا القانون واعتبرت عواقبه «وخيمة وخطيرة»، ليس لأن لديها ما تخشاه فحسب، لكون موقفها من الإرهاب واضحاً ومعروفاً ولا يوجد ما يدينها، فإن الموقف السعودي كان دائماً يؤكد على المبدأ الخاطئ الذي يعتمد عليه القانون، فهو مصدر قلق كبير للمجتمع الدولي الذي تقوم العلاقات الدولية فيه على مبدأ المساواة والحصانة السيادية، وهو المبدأ الذي يحكم العلاقات الدولية منذ مئات السنين، ومن شأن إضعاف الحصانة السيادية التأثير سلباً على جميع الدول بما في ذلك الولايات المتحدة بإلغائه الحصانة السيادية للدول.
إذا أبعدنا التكهنات والتحليلات جانبا وتحدثنا عن الوقائع والبراهين والأدلة، فإن السجل التاريخي لتحقيقات هجمات 11 سبتمبر، يقودنا إلى حقيقة أن مكتب التحقيقات الفيدرالي والاستخبارات الأميركية لم يجدا دليلاً واحداً على أي مشاركة سعودية من أي نوع في الهجمات، والـ28 صفحة في تقرير الكونغرس الشهير، التي ارتكز عليها القانون، برأت السعودية وليس فيها دليل إدانة، وبالتالي فمثل هذه الدعوى لن تشكل أكثر من عراك بين المحامين في أروقة المحاكم ولن تصل لنتيجة جديدة غير تلك التي توصلت إليها لجان التحقيق الأميركية، وفي الوقت نفسه ستخلق حالة من الفوضى في العالم، وليس بمستبعد أن تأخذ هذه الدعوى دول أخرى مبرراً لرفع قضايا مماثلة ضد الولايات المتحدة وأفراد حكومتها ودبلوماسييها وجنودها المنتشرين في كل مكان، بالإضافة إلى النتائج السلبية الاقتصادية على الولايات المتحدة، سواء فيما يتعلق بزعزعة الارتباط بالدولار الأميركي أو تداعي الثقة في الاستثمار داخلها.
البدء بإجراءات التقاضي سيكون أفضل هدية تقدم للجماعات المتطرفة، ففيما الحرب على الإرهاب تحرز تقدماً وتكاتفاً دولياً، تأتي هذه الدعوى لتساعد المتطرفين، الذين ما فتئوا يستخدمون الإيهام بالكراهية ضد خصومهم، كأدوات لكسب مزيد من الأنصار وإضرام نار الكراهية، كما أنه سيغذي التطرف الذي سيدعي أن الولايات المتحدة غير متسامحة مع الإسلام والثقافات الأخرى.
يمكن القول إن الدعوى القانونية ضد المملكة فيها تناقض عجيب، فكيف تقدم السعودية دعماً لـ«القاعدة»، كما يزعم المدعون، وهذه الجماعة تحديداً حاربت وتحاربها كما لم تفعل ضد أي دولة أخرى في العالم، ولم تكتف بالتفجير والترويع وقتل مواطنيها، بل بلغت محاولة اغتيال ولي عهدها الأمير محمد بن نايف، فهل من المنطق أن تدعم دولة جماعة إرهابية تضع تدميرها على رأس أولوياتها؟!
للمعارك القانونية ساحاتها ودوافعها، وللسعودية أدواتها ورجالها القادرون على إيقافها، مستندين إلى سلامة موقف بلادهم قانونياً وسياسياً، والمملكة ليست دولة طارئة لكي تهتز من «جاستا» أو غيره، وبمقدار تأثرها من تبعات هذا القانون، لو حدث فعلاً، ستتأثر الولايات المتحدة أيضاً، فهل العالم مستعد لهذه الفوضى؟!. . . .