محمد السلمي
المجتمعات العربية قاصرة في فهمها لطبيعة تصرفات النخبة الحاكمة في إيران الخمينية، وهي التصرفات التي توضع تحت رقابة مشددة، سواء من الشعب أو من النخبة نفسها
انتشرت مؤخرا في مواقع التواصل الاجتماعي صورة للرئيس الإيراني حسن روحاني وفتاتين وشاب التُقطت في منطقة شمال طهران، حيث كان روحاني يمارس هواية «السير فوق الثلوج». الصورة نشرها روحاني على حسابه في «إنستجرام» ولقيت كثيرا من الانتشار، سواء في الداخل الإيراني أو في الخارج العربي وغير العربي. أثارت هذه الصورة كثيرا من التعليقات داخل إيران وخارجها، ولعل السبب الرئيسي في ردود الفعل هذه ليس روحاني في حد ذاته، بل طريقة اللبس التي ظهرت بها الفتاتان، وهي الطريقة التي تخالف طبيعة ملابس النساء في إيران تماما، إذ إن ذلك يتناقض تماما مع الصورة النمطية التي رسمها النظام الإيراني عن الشعب بعد الثورة في عام 1979، التي تتوافق مع الزي الإسلامي للمرأة ولا تخرج عنه.
في مواقع التواصل العربية روج بعض المستخدمين للصورة على أنها تُظهر روحاني وعائلته في نزهة، وهي رؤية غريبة وخاطئة تماما، ولم أفهم كيف وصل هؤلاء إلى هذا التحليل، ولا أدري من روج له، ولا أتصور أسباب ذلك. لكن هذا يؤكد في الوقت ذاته أن المجتمعات العربية قاصرة في فهمها لطبيعة تصرفات النخبة الحاكمة في إيران الخمينية، وهي التصرفات التي توضع تحت رقابة مشددة، سواء من الشعب أو من النخبة نفسها. ويُعتبر النمط الأصولي المتشدد ولبس نساء وبنات المسؤولين الإيرانيين في الأماكن العامة «الشادور» (وهو رداء خارجي تلبسه النساء في إيران، عبارة عن جلباب أو معطف فضفاض لونه أسود غالبا) خطا أحمر لا تساهُل إذا لم تلتزم به المرأة، حتى لا تُكسر الصورة التي يروجها النظام في وسائله الإعلامية، حتى إذا كانت تتناقض تماما مع الواقع ومدى التقيد بالدين. وقد جرى تسريب عديد من الصور التي تكشف هذا التناقض الكبير بين المظهر الملتزم والجوهر المتحرر.
في الداخل الإيراني كانت ردود الأفعال على الصور التي نُشرت لروحاني وهؤلاء الشباب مختلفة تماما، فقد هاجم التيار الأصولي روحاني، لأنه بذلك يشجع الشباب والمواطنين على التمرد على «التقاليد الإسلامية» المفروضة وثوابت ما يسمى «الجمهورية الإسلامية»، كما أنه يغازل القوى الغربية التي ترفض هذه التقاليد وتنتقدها، ومن ثم يستمر في خطته التي نجح إلى حد كبير في تطبيقها والترويج لها، وهي خطة قائمة على أن الدعم الذي يقدمه الإصلاحيون ويوفرونه لروحاني سوف يؤدي بطبيعة الحال إلى تغيير طبيعة النظام الثوري، كما سيُسهم في إعادة تأهيل إيران وإدماجها في المجتمع الدولي، بالإضافة إلى أنه يؤدي إلى تهميش التيار الأصولي وإضعافه، ومن ثم ينحسر دوره وتأثيره في المجتمع والدولة.
لكن الغالبية العظمى من المراقبين والمواطنين قرأت نشر الصورة على أنه بداية مبكرة من روحاني لحملته الانتخابية، وأن ذلك يأتي ضمن مساعيه للفوز بفترة ثانية، ومحاولة منه لإقناع الشباب بالتصويت له مجددا بأن يقول لهم إنه معهم ومهتم بهم.
لكن الواقع الإيراني مخالف لما يراه روحاني، فقدْ فقد الشباب الإيراني عموما الأمل في روحاني، ويئس من كل ما كان يرجو تحقيقه في فترة روحاني الرئاسية الأولى، ولم يعُد يعول على وعوده، لأن روحاني قدم خلال حملته الانتخابية السابقة في عام 2013 كثيرا من الوعود من حيث تحسين المستوى المعيشي للمواطن الإيراني، ومكافحة تضخم الأسعار الذي يثقل كاهل المواطنين، والتخلص من أزمة البطالة التي تتزايد كل يوم وتخنق الشباب وغير الشباب، والتخفيف من الضغوط الاجتماعية والسياسية التي يمارسها النظام على المواطنين في مختلف المجالات ومحاور الحياة...لقد فشل روحاني فشلا ذريعا في تحقيق أي من هذه الوعود، كما أن الاتفاق النووي الذي احتفل به الشباب الإيراني كان مجرد مخدر لم يلبث أن تلاشى مفعوله وعادت الآلام أشد مما كانت عليه.
يأتي نشر هذه الصورة وانتشارها على هذا النحو الواسع بعد مماحكات إعلامية في الآونة الأخيرة بين الولي الفقيه علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني، اعتبر كثيرون أن خامنئي يسعى من ورائها إلى إيصال رسالة واضحة إلى روحاني، يقول فيها إنه يستطيع تغيير أمور كثيرة في الداخل، وينبهه فيها إلى كونه يمسك بزمام الأمور في إيران، وأنه يمكنه أن يهمش دور الرئيس الإيراني ويبعده إذا ما فكر في الخروج عن بيت الطاعة أو التمرد عليه، أو إذا شعر بأنه قد أصبح رمزا حقيقيا للتيار «الإصلاحي» في إيران بعد رحيل رفسنجاني.
وتبقى الأيام التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية مفصلية بالنسبة إلى روحاني محددة بخصوص مستقبله القريب في الانتخابات الرئاسية، ومستقبله البعيد كضلع أساسي من أضلاع السياسة في إيران، فهل يقدم روحاني خلال هذه الأيام وعودا للولي الفقيه بالبقاء تحت جناحه ووفق توجيهاته، أم سيسعى لركوب موجة الدفع به إلى زعامة التيار الإصلاحي وتمثيل مطالبه، ومن ثم يعمل خامنئي على إبعاده والإطاحة به، إما مبكرا عبر الإيعاز إلى مجلس صيانة الدستور بعدم السماح له بالترشح، وإما عن طريق نقل الانتخابات إلى جولة ثانية، كما حدث عام 2005 بين أحمدي نجاد وهاشمي رفسنجاني، وفي هذه الحالة يحدث نقاش جديد أيضا يحدد خيارات خامنئي مجددا.
التعليقات