الياس الديري
هموم اللبنانيّين أكثر من أن تحصى. مع كل صباح "هديّة" جديدة، تدفع الذين هم في عمرهم ولم يفكِّروا في الهجرة إلى البحث عن وسيلة تنقلهم من بلد كان جنَّة فجعله الحكّام والسماسرة وآل الفساد والتكسُّب جحيماً.
مسلسل من الأزمات لم يتوقَّف عن "التوالد" منذ بوسطة عين الرمانة. كل أزمة تلد دزينة. وكل فراغ يستولد وَرَثة، فمن أين نبدأ مع هذا الواقع الذي يكاد يُفرغ هذا اللبنان من أجياله الطالعة كما النازلة؟
لا مجال لوضع العتب على الدولة وتحميلها المسؤولية. فالدولة موجودة اسماً لا فعلاً، وصورة معلّقة على جدار من فراغ. لا تندهي ما في حدا، ولا في دولة، ولا في مَن يحاسب أو يُعاقب. سائبة والربّ غير راعيها.
ولئلّا نذهب بعيداً، نتوقّف أمام "مأساة" قانون الانتخاب، ومهزلته يهتزُّ منها وجدان الحجارة. ولكن ما من مسؤول بَدَر منه أيُّ اهتمام. في أفضل الأحوال يقول كلمته ويمشي. وأحياناً تسبقه كلمته.
مشكلة أساسيَّة في النظام والصيغة، وبالنسبة إلى تكوين الدولة وتراتب المؤسَّسات، والخطر الجديد الذي يهدِّد كيان الدولة بالانهيار، إنّما على مَنْ تقرأ مزاميرك. قرار تأجيل الانتخابات النيابيَّة صدر مع قرار ملء الفراغ في رئاسة الجمهوريّة. والمنفّذون أنفسهم استعدّوا لهذه "اللحظة الوطنيّة"، مع كل المستلزمات. و"علَّة" التعطيل والتفريغ حاضرة ناضرة في الاستحقاق النيابي.
ننتقل، موقّتاً، إلى حكاية الكهرباء التي احتلّت كرسي حكاية ابريق الزيت من زمان، مع فائض من الفساد والتبذير والهدر والنهب تُضرب به الأمثال. وكل شيء ثابت في مكانه.
"نفط الأعماق"، مَثَلٌ آخر. فهو رابض في قعر البحر من دون "معرفة" الأسباب "الفنيَّة" التي تجعل اسرائيل تُسنُّ أسنانها في اتجاهه.
وفي حكاية النفط من عوامل الشفط والقحط وتوزيع القصص، ما في حكايات أغرب من الخيال تُروى عن المطار والمرفأ والشواطئ السائبة المُمتدة من الناقورة إلى النهر الكبير. والخل الوفي...
وهل من الضروري التذكير بكارثة الزبالة التي لم تنتهِ فصولها بعد، ولا تزال معالجتها متّكئة على الموقَّت؟
قد يكون من لزوم ما يلزم هنا، ولمناسبة اقتراب فصل السياحة والاصطياف، التذكير بـ"مفاجأة الضاحية" العسكريّة، وبمظهر اعتبره الخبراء والعارفون رسالة أولى، هدفها كالعادة الموسم الذي ينتظره الناس بلهفة منذ عقدين ثلاثة.
والوزير نهاد المشنوق اعتبر "المفاجأة" استعراضاً عسكريّاً، "وبمثابة صفعة للعهد وتحدّياً للدولة".
مأساة لبنان أفجع بكثير من الوصف.
التعليقات