عبدالله عبدالمحسن الفرج

العلاقة بين روسيا وإيران لم تكن علاقة سهلة منذ بدايتها عام 1592. فهذه العلاقة التي كانت واعدة في بدايتها انتهت باحتلال الإمبراطورية الروسية للكثير من الأراضي التي كانت ضمن الإمبراطورية الفارسية ومن ضمنهى أرمينا وجورجيا وأذربيجان. ولهذا فإن هذه العلاقة التي صارت تتطور بشكل إيجابي بعد سقوط الإمبراطورية الروسية عام 1917 سرعان ما تراجعت وخاصة بعد الانقلاب على مصدق عام 1953. ولذلك فإن العلاقات بين البلدين مهما بدأت واعدة الآن فإنها لا يمكن أن تخرج عن سياقها التاريخي.

واعتقد أن المملكة التي كانت تؤجل توطيد العلاقات مع روسيا المرة تلو المرة بانتظار تحول روسيا عن إيران قد جاءتها فرصة سانحة. ففي خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني لجورجيا يوم الثلاثاء الماضي وفي المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الجورجي ميخائيل جانيليدزي في تبليسى أعلن محمد ظريف أن طهران تخطط لإنشاء ممر نقل يربط الخليج والبحر الأسود.

فنحن هنا أمام أمرين: إذ بالإضافة إلى ممر النقل هناك محاولة إيرانية لتوطيد العلاقة مع دولة علاقتها بموسكو متوترة، خصوصاً بعد حرب 2008 التي وصلت فيها القوات الروسية إلى مشارف العاصمة تبليسى وانتهت بفصل جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا. ولذلك فقد امتن وزير الخارجية الجورجي لنظيره الإيراني على دعمه القوي لسلامة أراضي جورجيا وسيادتها.

وهذه الوخزة الإيرانية لم تترك لروسيا مجالاً للانتظار. فسرعان ما اعتبرت موسكو إن المشروع الإيراني خطر على خططها. فروسيا تطمح أن تكون حلقة الوصل الرئيسية لشبكة المواصلات المؤدية إلى أوروبا من خلال ممر"الجنوب - الشمال" الذي مخطط له نقل البضائع من ميناء بومبي في الهندي وحتى بحر البلطيق إلى أوروبا عبر الأراضي الروسية. في حين أن المشروع الإيراني يستهدف نقل البضائع إلى جورجيا عبر أرمينا ومن ثم إلى البحر الأسود فأوروبا دون المرور بالأراضي الروسية. وهو إلى حد ما يشبه مشروع نابوكو الفاشل لنقل الغاز من آسيا الوسطى إلى أوروبا عبر البحر الأسود دون المرور بروسيا إن هذه فرصة لتطوير العلاقة مع روسيا التي صارت في الأشهر الأخيرة تشتكي من إيران بصوت مرتفع إلى درجة أن دميتري روغوزين، نائب رئيس الوزراء الروسي، ألغى زيارته إلى طهران لتأخرها في شراء طائرات الركاب الروسية سوخوي سوبرجت 100.

بالفعل فإن علاقتنا الاقتصادية بروسيا ضئيلة جدًا. فحجم التبادل التجاري لا يصل حتى إلى مليار ريال. فهذه العلاقة لا تواكب العلاقات السياسية المتطورة التي ترجمتها زيارة رئيسة مجلس الشيوخ الروسي إلينا وتوقع زيارة خادم الحرمين إلى روسيا آخر هذا العام.