يحيى مفرح الزهراني
تعد منطقة الخليج العربي واحدة من أهم المناطق والبؤر الاستراتيجية على مستوى العالم مرتبطة بالاكتشافات النفطية الكبيرة التي عرفتها دول المنطقة ما جعل منها محط أنظار العالم وقواه المتنافسة فيه،
إلا أن تنامي أهميتها الاستراتيجية خلال العقود القليلة المنصرمة قد ارتبط أيضا بقدرة دول المنطقة الغنية بالنفط على استثمار عائداته وتوظيفها في تنمية مرافق هذه الدول ومحاولة النهوض سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. تعد البيئة السكانية الشابة والديناميكية من أهم عناصر القوة، وكان يمثل عائقا أمام التوسعات للعدو، وبات ينظر إلى البيئة السكانية الشابة والديناميكية كوحدة من أهم العناصر الاقتصادية والديموغرافية التي تؤثر في عملية تنقل السكان داخل أوروبا الدولة المتقدمة وقد وصل تعداد سكان دول الخليج عام 2011 إلى ما يقارب 46 مليون نسمة، وهذا العدد قابل للزيادة كون غالبية سكان دول الخليج في سن الشباب أقل من 35 عاما. كل هذه الأحداث المهمة زادت من الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي، وانتقال تنافس الدول الكبرى من استثمار النفط واكتشافه إلى التفكير في كيفية تأمين مصادره وتدفقه إلى الأسواق العالمية. يطرح موسى نعيم في كتابه «نهاية القوة» مسألة انتقال القوة من الجيوش الكبيرة المنظمة إلى الجيوش الصغيرة وحروب العصابات، وهذا بالتأكيد ما يميز العصر الحالي، يتوجه العالم الآن إلى مواجهات غير مباشرة عبر قوات موجهة، بالنيابة أو من قادة جيوش تلك الدول ولكن بشكل سري وغير علني، وتقوم الدول أحيانا بتحويل جزء من جيوشها إلى ميليشيات أو بتدريب ميليشيات من أجل استخدامها لأهدافها السياسية. ومن هنا كذلك يتجه مفهوم الأمن إلى أبعاد متعددة، عند الحديث مثلا عن الجيوبوليتيك والجيوستراتيجيا، نتحدث عن رغبة الدولة في التوسع في محيطها الجغرافي، خيرا بشكل تعاون وتكامل بين الدول في المنطقة، وشرا في محاولة فرض السيطرة والنفوذ سعيا إلى الاحتلال العسكري جغرافيا، وقد تشكل منطقة ما أهمية جيواستراتيجية للقوى الدولية وذلك بطبيعتها كممرات للملاحة أو لوجود الموارد المائية أو الاقتصادية أو حتى كقوة دينية مثل حال المملكة في تجمع تلك الأهميات الثلاث ضمن أراضيها. وقد تتخطى الأهمية للدول المحيطة البعد التقليدي، حيث تعتبر عمقا استراتيجيا تسعى الدول لتأمينه ضد الأخطار والمطامع الخارجية، وبالتالي أضحى الأمن مفهوما متعدد الأبعاد جغرافيا وكذلك متعدد المجالات، حيث توسع المفهوم من أمن الدولة التقليدي أي الأمن الشرطي وحفظ الضروريات الخمس، إلى مفهوم التنمية والاستدامة، والمشاركة. وهذا بالتالي يتطلب التنسيق والترابط بين مختلف الأجهزة الحكومي وشبه الحكومية وقطاع الأعمال ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخيري. إن التوجهات نفسها التي تدعو إلى زيادة التعاون بين فروع الخدمات، تدعو أيضا إلى زيادة التعاون بين فروع الأمن الوطنية المتعددة الخاصة بالمملكة وتحالفاتها، ويجب كذلك صياغة اتفاقيات سياسية على هدف التكامل بين الدول وأذرع كل حكومة والتشارك بشكل سريع عبر الحكومة في الاستخبارات العسكرية والاقتصادية والسياسية، حيث يمكن منع التهديدات قبل الرد عليها بقوة دامية وغير مؤكدة، والأهم من ذلك أن تكون هناك جهود زائدة إلى حد كبير لإحباط إرادة العدو وتصميمه وقوته الداخلية. من الأهمية بمكان هنا الإشارة إلى القاعدة الاستراتيجية التالية: Resistance = Means x Will تساعدنا هذه القاعدة في معرفة أهداف، الهجمات من العدو التي بالتأكيد توضح أن العدو يهدف لضرب وسائلنا أحيانا، أو تحطيم الإرادة، وهذا كذلك يعطي منحى مهما وهو التداخل في الشؤون العسكرية وكذلك الأمنية في التوجه الحديث للحرب. والهدف هو تحطيم العدو من الداخل بدلا من تدميره ماديا. إذا فالأهداف ستشمل أشياء مثل دعم السكان للحرب إذ إن التحديد الصحيح لمركز الثقل الاستراتيجي للعدو سيكون ذا أهمية كبيرة ويقصد بالثقل الاستراتيجي النقطة التي يرتكز عليها وزن الجسم كله. الخبير الاستراتيجي كارل فون كلاوزفيتز يعرف مركز الثقل بقوله «من خصائص معينة يتطور مركز الثقل وهو محور كل الطاقة والحركة الذي يعتمد عليه كل شيء آخر. تلك هي النقطة التي ينبغي أن تتوجه إليها كل طاقاتنا». فمن هذا التعريف يرى كلاوزفيتز أن مركز ثقل نظام القوات يوجد، حيث يكون الجزء الأكبر منها محتشدا أو مركزا بكثافة أكبر، بيد أن هذا التعريف قد يتخطى مسألة القوات التقليدية وتمركزها، إلى التمركز الاقتصادي أو الاجتماعي وغيرها من نواحي التنافس والصراع بين الدول.
التعليقات