ياسر الغسلان
انطلقت مؤخرا أعمال مركز الحرب الفكرية التابع لوزارة الدفاع والذي يسعى إلى محاربة التطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعدة لغات هي الإنجليزية والفرنسية بالإضافة إلى العربية، وهو الجهد الذي يأتي انطلاقا من القناعة بأن هذه المنصات هي التي تتمحور حولها مجهودات الإرهابيين في استقطاب المتطوعين والمتحمسين لأهدافهم التخريبية التي تجاوزت حدود عالمنا العربي والإسلامي لباقي مناطق العالم، بما فيها الأكثر انفتاحا وتحررا من قيود الدين والمعتقدات الراديكالية.
ويهدف هذا المركز الجديد من ضمن ما يهدف إليه إلى كشف الأخطاء والمزاعم والشبهات وأساليب الخداع التي يروج لها المتطرفون والإرهابيون الإسلامويون، إلى جانب إيضاح المنهج الشرعي الصحيح في قضايا التطرف والإرهاب، بالإضافة إلى تقديم مبادرات فكرية للعديد من الجهات داخل المملكة وخارجها وللتحالف الإسلامي العسكري المعني بمحاربة الإرهاب.
لعل من أكبر التحديات التي تواجه مجهودات مكافحة الإرهاب الفكري تكمن في كون الخطاب المتطرف يقوم أساسا على اللعب على عواطف الأفراد الذين يشوب نفسياتهم بعض القلق النفسي تجاه حياتهم وصراعاتهم مع المفاهيم والأخلاق والدين وفق التفسير الذي تشربوه عبر مناهج التعليم والإعلام والفضاء الإلكتروني، لذلك فالعمل على محاربة هذا الخطر لا بد أن يكون خليطا من تفكيك الخطاب والتعامل مع الجانب النفسي إلى جانب العمل بشكل جدي في معالجة مواطن الفكر المجتمعي من أعماقه، والذي كما هو معروف يعتمد على مبدأ رفض الآخر والطعن فيه، وإن كنا للأسف نرفض الاعتراف بهذه الحقيقة.
محاربة الإرهاب في منصات التواصل الاجتماعي تتطلب أن ننظر لجوانب خارج المنصات ذاتها، فتكوين المتطرف الذي يتم عبر هذه المواقع له جذور في المجتمع، ففكرة التدين في مجتمعنا للأسف مشوهة بفعل التركيز على المظاهر في المقام الأول، فطريقة ملبس الطفل واحتشام الطفلة لدى البعض مثلا أهم من التزامه بآداب الطعام واحترام الآخر، لذلك نجدهما عندما يكبران تصبح فكرة التمرد على تلك العوامل الظاهرية أو التطرف في التعبير عنها هي الركائز الأولى في تحديد شخصية المراهق أو الشابة، وعليه تجد أن التركيز على مثل هذه المسائل السطحية هي التي تتصدر منطقه التعبيري.
علينا أن نحارب التطرف والإرهاب بتعميق فكرة قبول المختلف في مناهجنا وتعليم النشء أن العالم ليس كله مثلنا، وأن هذا العالم المختلف ليس أسوأ منا أو أفضل، بل هو عالم نشأ وترعرع بمفاهيم إنسانية لها إيجابياتها وسلبياتها تماما كما مجتمعنا، كما علينا أن نعلم الأجيال حقيقة التاريخ وأحداثه، وألا نستمر في خداعهم بتصوير تاريخنا وكأنه خالٍ من المظالم والأحقاد والصراعات السياسية.
إذا لا بد لنا أن نبني مدونة لأخلاق التواصل تكون من أساسيات مناهج التعليم العام، وأن نحارب كل من تسول له نفسه اعتبار المختلف خارجا عن المجتمع لأن في ذلك جهدا ممنهجا في جرنا للخلف، فليس هناك مجتمع صحي وهو مجتمع يرى طريقة حياته هي الوحيدة الصالحة للحياة، فالتعددية التي تنهج السلم وحوار الأفكار هي التي حققت للهند وماليزيا مثلا مركزهما المتقدم اليوم بين الأمم، بينما ما زلنا نحن نبحث عن حلول لملاحقتهما اقتصاديا وحضاريا!
التعليقات