سمير عطا الله
خلال قمة عربية في الدار البيضاء، ذهبنا؛ الزميل عثمان العمير وأنا، لزيارة أمير البحرين الراحل الشيخ عيسى بن سلمان في مقر إقامته. وبعد أدبيات اللقاء، قلت له: هل من مبادرة معينة للبحرين في القمة؟ فقال دون تردد: يا فلان، رحم الله امرأً عرف قدر نفسه.
شعرت بالخجل أمام رجل أعرف حجم تواضعه منذ ربع قرن على الأقل. يومياً كانت قطر قد بدأت لعب دور «الأخ الأكبر» بالمطالبة بجزر «حوار». وكلما مضت البحرين في الوداعة التي عُرفت بها، ازدادت الدوحة تعالياً. ثم بدأت محطة «الجزيرة»، فتوسعت معاملة البحرين بطريقة عدائية. وذهب البلدان إلى المحكمة الدولية في لاهاي، وعادت البحرين من هناك ومعها أرضها. لكن قطر أبقت علاقتها مع البحرين على الوتيرة التي كانت فيها العلاقة بين سوريا والعراق: أقرب الجوار وأبعد المودة.
لم يعامل بلد عربي بلداً آخر كما عاملت قطر البحرين. ولم يرد بلد بالوداعة التي ردّت بها البحرين. ومع ذلك، لم تغلق الدوحة الصفحة، ولا فتحت صفحة جديدة. بل وجّهت مرة تهمة التجسس إلى مجموعة قليلة من الأفراد، وكأن البحرين الولايات المتحدة، وقطر هي الاتحاد السوفياتي. وكانت قطر تجد في كل قادم من البحرين مشروع انقلاب لإعادة الراحل الشيخ خليفة، الذي كان يُعرف يومها «بالأمير الابن» ويعيش منفياً في الخارج.
كل خلافات الجوار والأخوة عبثية في كل مكان وفي كل زمان. لكنني لا أعرف خلافاً عبثياً مثل موقف قطر من البحرين. الخليج دول يعرف بعضها بعضاً، وشعوب متداخلة بعضها مع بعض، وقبائل لها جذور وفروع بعضها عند بعض. وتاريخ المنطقة حديث كله وبعض شهوده أحياء. ومع ذلك أصرت قطر، أمام الجميع، على مطاردة التواضع البحريني و«رحم الله امرأً عرف قدر نفسه»، فيما كانت تخطط لمشروعها الطموح.
ولم يعترض أحد على مشروعها ما دام لا يمر بأرض أحد ولا بسيادة أحد. بالعكس. كانت الشكوى من أن قطر ذات نزعة فردية لا اتحادية. ولم يمر عام منذ تأسيس مجلس التعاون لم تثر فيه الدوحة مشكلة، أو أكثر، تقض مضاجع أهل المجلس. وعندما ذهب الأمين العام الشيخ جميل حجيلان إلى أحد احتفالات الدوحة الرسمية، وجد أن وزير خارجيتها حمد بن جاسم وضع له مكاناً دون مكانته ومكانة الأمانة العامة، فانسحب بأدبه المعروف ودبلوماسيته المشهورة.
الذين يتابعون أخبار الخليج ظنوا أن الأشياء تغيرت مع وصول الشيخ تميم، وسياسة العجرفة انتهت، وأن الدوحة تريد أن تطمئن جيرانها وأشقاءها إلى أن مشروعها لا يتضمن الاعتداء على أراضيهم وسيادتهم وأمنهم الداخلي. ظنوا.. . . . .
التعليقات