محمد العسومي 

أثناء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسعودية، تم التوقيع على العديد من الاتفاقيات، والتي بلغت قيمتها الإجمالية 450 مليار دولار، إذ تعتبر الأعلى في تاريخ البلدين الممتد لأكثر من ثمانين عاماً، مما أفرح البعض وأغضب البعض الآخر، الذي حاول تشويه الحقائق من منطلق أن هذه الاتفاقيات تسير في اتجاه واحد من الرياض إلى واشنطن، في حين حاول البعض الآخر الإساءة باعتبار ذلك خطوة في مقابل الحماية! والحقيقة غير ذلك تماماً وغير ما صورته وسائل الإعلام المعادية لدول مجلس التعاون الخليجي من وسائل إيرانية يمينية ويسارية وإسلامية متطرفة، فالاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية تعبر عن مصالح الطرفين وستكون لها انعكاسات إيجابية على الاقتصادين السعودي والأميركي، كيف؟

اتخذت دول مجلس التعاون قبل أكثر من عقدين من الزمن قراراً استراتيجياً بأن تتضمن صفقات شراء الأسلحة من الدول المتطورة استثمار جزء من هذه الصفقات في مشاريع تنموية محلية، وهو ما تم بالفعل في الإمارات والسعودية والكويت، حيث نفذت مشاريع اقتصادية متطورة ساهمت في النمو وفي زيادة الإنتاج المحلي وتطور بعض الصناعات.

على سبيل المثال، عندما يسافر أحد ضمن رحلة على متن إحدى طائرات «بوينج» أو «إيرباص» المتطورة، عليه أن يتذكر- بما فيهم من شارك في الحملة- بن جزءاً من مكونات هذه الطائرات صنعت بأبوظبي بدولة الإمارات وبأيدٍ إماراتية. أما الاتفاقيات الأخيرة بين الولايات المتحدة والسعودية، فإن على المروجين للحملة المغرضة أن يتذكروا عندما ينامون في المكيفات بعد عام 2018 من أن التوربينات الكهربائية صنعت بالسعودية وبأيدي سعوديين، وذلك كإحدى نتائج الاتفاقيات التي وقعتها شركة «جنرال موتورز» العملاقة مع السعودية أثناء زيارة ترامب، حيث من المتوقع أن تستثمر الولايات المتحدة 45 مليار دولار في الاقتصاد السعودي، مما سيوفر عشرات الآلاف من فرص العمل ويساهم في التنمية ضمن رؤية 2030، أي أن الاستثمارات بين البلدين تسير في اتجاهين وليس اتجاهاً واحداً.

في نفس الوقت وقعت شركة أرامكو وحدها 16 عقداً لإقامة مشاريع مشتركة في السعودية مع 11 شركة أميركية بأكثر من 50 مليار دولار ضمن برنامج «شركة الأجيال»، أما العقود العسكرية، والتي تقدر بـ110 مليارات دولار و350 على مدى السنوات العشر القادمة، فإنها ستساهم في توطين 50% من المتطلبات العسكرية، وتحول السعودية إلى دولة مُصدرة للأسلحة وتشغيل آلاف الأيدي العاملة السعودية والمساهمة في نمو الناتج المحلي، إضافة إلى تنمية القدرات الدفاعية وحماية المنطقة من التهديدات الإيرانية المستمرة. في المقابل لنرى ما تقوم به إيران ومن يسير في فلكها من اليمين واليسار الذي يدعي التقدمية، وهو يتحالف مع نظام ولاية الفقيه الدكتاتوري والرجعي حتى النخاع، إذ بعثرت ثروة الشعب الإيراني المغلوب على أمره في حروب عبثية، ودعم منظمات إرهابية، كـ«حزب الله» و«الحوثي» واستثمار مئات المليارات في بناء صناعة عسكرية بتكنولوجيا كورية شمالية متخلفة لن تصمد في أي مواجهة أمام التكنولوجيا الغربية المتطورة.

الفرق بين الاتجاهين الخليجي والإيراني واضح تماماً، فدول الخليج العربي توجه مواردها المالية في اتجاهين متوازنين يشملان الاهتمام بالتنمية وبرفع المستويات المعيشية للمواطنين والمقيمين وتوفير فرص العمل وتنويع مصادر الدخل، وفي الوقت نفسه تقوية القدرات الدفاعية لحماية الوطن والوقوف في وجه الأطماع الإيرانية. أما التوجه الإيراني، فإنه قد نسي ما تعنيه التنمية، وأوصل أعداداً كبيرة من الشعب الإيراني للعيش في المقابر، مركزاً على التسلح وتمويل الإرهاب ومضيعاً أربعة عقود من التنمية ليس من الصعب تعويضها وسيدفع الشعب الإيراني ثمنها باهظاً، هذا عدا الحجم الهائل للفساد الذي استشرى في إيران بصورة مخيفة. نتائج الاتفاقيات السعودية- الأميركية ستظهر سريعاً على شكل مشاريع تنموية وعسكرية، ستعزز من التنمية ومن القدرات الدفاعية لدول مجلس التعاون الخليجي.