أحمد رحيم 

وافقت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في البرلمان المصري على إحالة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي وقعت في نيسان (أبريل) من العام الماضي خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز القاهرة وآلت بمقتضاها ملكية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، على الجلسة العامة في مجلس النواب، بغالبية بلغت 35 نائباً مقابل معارضة 8 نواب، بعد جلسة شهدت شتائم واشتباكات بالأيدي بين عدد من النواب، في وقت شهد محيط وسط القاهرة استنفاراً أمنياً في ظل دعوات للاعتصام والتظاهر تنديداً بمناقشة الاتفاق في البرلمان.

وهذا التمرير يعني أن اللجنة المعنية بالنظر في دستورية القوانين والمعاهدات المحالة إلى البرلمان حسمت أمرها بأحقية مناقشة البرلمان تلك الاتفاقية، علماً أن المحكمة الإدارية العليا، أعلى محكمة إدارية في مصر، كانت ألغتها، فيما يُنتظر أن تصدر المحكمة الدستورية العليا قراراً بخصوص أحقية القضاء الإداري في التصدي للاتفاق.

كما تشير تلك الإحالة إلى أن اللجنة استبعدت مسألة الاحتكام لاستفتاء شعبي لتمرير الاتفاقية، وتبنت الرأي القائل بأن المادة 151 من الدستور لا تسري أحكامها على هذه الاتفاقية، خلافاً لآراء فقهاء قانونيين، ولمطالبة «المؤسسة المصرية لحماية الدستور».

وتنص المادة 151 من الدستور على أن «رئيس الجمهورية يمثل الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً لأحكام الدستور. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أي معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة».

ويُنتظر أن يحيل رئيس البرلمان علي عبدالعال خلال جلسة عامة، ستشهد عرضاً لتقرير من اللجنة الدستورية والتشريعية عن مدى قانونية الاتفاقية ومناقشتها، تلك الاتفاقية إلى اللجنة المختصة، وهي لجنة الدفاع والأمن القومي، لمناقشتها وكتابة تقرير عنها، وعرضه مجدداً على الجلسة العامة للتصويت النهائي على الاتفاق.

وجلسة اللجنة الدستورية والتشريعية أمس، هي الرابعة لمناقشة الاتفاقية، وفيها ارتفعت نبرة الاتهامات المتبادلة بين فريقين مؤيد ومعارض للاتفاق، إلى حد الشتائم التي تلاها الاشتباك بالأيدي. وتحولت قاعة المناقشة إلى بؤر للتراشق بين أعضاء الفريقين في أكثر من جهة، وسط استغراب وصدمة رئيس البرلمان.

وكانت جلسة الأمس الصباحية شهدت مشادات كلامية كادت تتحول تراشقاً لولا رفعها إلى المساء. ولم تخل أجواء الجلسة المسائية أيضاً من توتر. واستهل عبدالعال الجلسة الثالثة للجنة مساء أول من أمس، بالتأكيد أن هدف الاجتماعات هو الوصول للحقيقة، داعياً النواب إلى الهدوء، موضحاً أن بعض الخرائط المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي «مزورة»، وأن البرلمان لن يعتد إلا بخرائط القوات المسلحة.

وأوضح وزير شؤون مجلس النواب المستشار عمر مروان أن بعض النواب قدموا للجنة خرائط منسوبة للقوات المسلحة تشير إلى أن الجزيرتين تقعان ضمن الأرض المصرية، وبالاستفسار من الجهات المختصة في وزارة الدفاع عن صحتها، اتضح أن الخرائط الأصلية في هيئة المساحة العسكرية تخالف تلك المقدمة من النواب، مشيراً إلى أنه تم تسليم نسخة أصلية من الأطلس العسكري إلى أمانة اللجنة التشريعية.

وتحدث في الاجتماع ممثل وزارة الدفاع اللواء مجد الدين بركات، الذي أكد أن الجيش لم يتدخل في هذه الاتفاقية سوى من الناحية الفنية فقط. وقال إن «القوات المسلحة لم ولن تفرط في ذرة تراب من الأراضي المصرية»، ليهتف النواب: «تحيا مصر ... تحيا القوات المسلحة». وأوضح اللواء بركات أنه لا توجد دماء مصرية سالت على أرض الجزيرتين، لافتاً إلى أن التوثيق الخاص بالشهداء لا يشير إلى أن أياً منهم سقط على أرض الجزيرتين.

لكن الخبيرة في ترسيم الحدود هايدي فاروق أكدت أمام النواب في تلك الجلسة أنها كلفت قبل ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 بأعوام من قبل رئيس الاستخبارات الراحل عمر سليمان ووزير الدفاع السابق حسين طنطاوي بالبحث في حقيقة ملكية الجزيرتين، لافتة إلى أنها اطلعت على خرائط بريطانية وأميركية من أرشيف البلدين تثبت أن الجزيرتين مصريتان. وأضافت: «كل الوثائق التي اطلعت عليها تؤكد مصرية الجزيرتين».

وشكك وزير شؤون مجلس النواب في حديث فاروق، واحتد عليها عدد من النواب المؤيدين للاتفاق، وقالوا إن البرلمان لا يجب أن يعتد بوثائق أميركية، فقطعت الخبيرة شهادتها وغادرت الاجتماع، ووقعت مشادات بين النواب.

كما شهدت الجلسة الرابعة والأخيرة للجنة أمس، إدلاء رئيس الجمعية الجغرافية المصرية سعيد الحسيني بشهادته حول مسألة الخرائط المعروضة للجزيرتين.

وقال وزير شؤون مجلس النواب في مستهل الجلسة إن بعض الخرائط التي لونت فيها الجزيرتان بلون الأرض المصرية ذاته، لا تعد دليلاً على أنهما مصريتان. وأوضح أن بعض الخرائط كان قطاع غزة فيها ملون بلون الأرض المصرية ذاته، إبان إدارة مصر القطاع. واعترض نواب على تلك المقارنة. ولما بدأ رئيس الجمعية الجغرافية في شرح تلك النقاط، اعترض بعض النواب على حديثه الذي اعتبر فيه أن مسألة الألوان في الخرائط ليست دليلاً على ملكية الأرض، ووصل الأمر إلى ذهاب النائبين خالد يوسف وأحمد طنطاوي نحوه حتى المنصة التي كان يتحدث منها في صدر القاعة، واحتدا عليه، وأخذ طنطاوي مكبر الصوت من أمامه وظل يردد عبارات تشير إلى رفضه شرح الخبير لمسألة الخرائط، مطالباً بطرده من القاعة، ثم ألقى مكبر الصوت على الأرض، لتعج القاعة بفوضى عارمة، وسط تبادل النواب الشتائم، وتحولت جنبات القاعة إلى مواقع للتراشق بالأيدي بين نواب تكتلي «دعم مصر» المؤيد للحكم والاتفاق و «25 – 30» المعارض للاتفاق.

وظل رئيس البرلمان صامتاً مندهشاً أمام هذا المشهد، واضطر إلى رفع الجلسة وترك القاعة، قبل أن يعود من جديد لدعوة النواب للانعقاد، متوعداً بعقاب النائب أحمد طنطاوي لتصرفه بإلقاء مكبر الصوت على الأرض. وقال إن «الخروج عن التقاليد البرلمانية أمر غير مقبول. وما بدر من النائب إهانة للمجلس بكامله». وطلب من مكتب اللجنة تحرير مذكرة بالواقعة وعرضه على هيئة مكتب المجلس لاتخاذ كل الإجراءات القانونية لرد الاعتبار للمجلس ونوابه.

واقترح أحد النواب البدء بالتصويت على إحالة الاتفاقية على الجلسة العامة، لتعج القاعة بالفوضى مجدداً، بسبب اعتراض تكتل «25 – 30» على بدء التصويت من دون انتهاء المناقشات.

لكن رئيس البرلمان تجاهل تلك الاعتراضات، ودعا أعضاء اللجنة إلى التصويت على إحالة الاتفاقية على الجلسة العامة، وهو القرار الذي اتخذ وسط اعتراضات من نواب تكتل «25 – 30» وتبادل الاتهامات مع نواب تكتل «دعم مصر» بـ «الخيانة» أو «العمالة و «تلقي تمويلات من الخارج».

في غضون ذلك، قررت محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة برئاسة المستشار بخيت إسماعيل، تأجيل نظر دعاوى قضائية مقامة من عدد من المحامين، لوقف تنفيذ وإلغاء قرار مجلس الوزراء إحالة الاتفاقية لمجلس النواب، إلى جلسة 2 تموز (يوليو) المقبل. وجاء قرار التأجيل لحين ورود تقرير هيئة مفوضي الدولة بالرأي القانوني في تلك الدعاوى.

وجاء في الدعوى أن قرار مجلس الوزراء بإحالة الاتفاقية للبرلمان، يخالف حكماً نهائياً واجب النفاذ صادر من المحكمة الإدارية العليا، علاوة على أن الدستور حظر إبرام أي معاهدات من شأنها التنازل عن أي جزء إقليم من الدولة.