فـــؤاد مطـــر 

بيننا وبين الدورة العادية السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة أقل من ثلاثة أشهر. وهنالك الكثير من المعطيات التي تحمل على التفاؤل بأن هذه الدورة العادية تكتسب صفة استثنائية لجهة توضيح معالم الطريق للمرحلة المقبلة.
نقول ذلك مستندين إلى أنها الدورة التي سيشارك فيها للمرة الأُولى الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي رفض مرافقة أحد من المسؤولين الإسرائيليين له في زيارة حائط المبكى (بالتسمية اليهودية) البراق بالتسمية الحقة، بالإضافة إلى الإعلان الخطي للبيت الأبيض في الأول من هذا الشهر الذي جاء فيه أن الرئيس ترمب اتخذ قراراً بتعليق نقْل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. إلا أنه يجب ألاَّ يفهم أي كان هذه الخطوة على أنها تراجع من الرئيس عن دعمه الثابت لإسرائيل وللتحالف الأميركي - الإسرائيلي.
وفي أي حال فإن المأمول من الرئيس ترمب حدوثه يبقى وارداً. ففي ذمته وعود سمعها منه الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم لقائهما في البيت الأبيض.
ثم إن الرئيس عباس كان يتطلع إلى مدة أطول لاجتماعه بالرئيس ترمب في موقع كنيسة المهد في بيت لحم فلا تقتصر على ثلاثة أرباع الساعة، إلاَّ أن مجرد حدوث الزيارة خطوة نوعية بأمل أن تليها خطوات.
ونقول إن الدورة العادية المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة ربما تتصف بأنها استثنائية على أساس، وفي حال المشاركة فيها على مستوى القادة، أن يغتنم الرئيس ترمب مشاركته للمرة الأولى فيها ويحوَّلها إلى دورة المصالحات والمصالح. وهو على ما ظهر منه في الأشهر القليلة من رئاسته التي دخلت النصف الثاني من السنة الأولى، بارع في توظيف المصالحات في خدمة المصالح. وعندما يستحضر الأيام الثلاثة التي أمضاها في الرياض وكيف أن الزيارة تحولت إلى ما يشبه دورة الجمعية العامة، سيجد نفسه أن هذه الدورة فرصة مضافة إلى ما تحقق له في قمم الرياض الثلاث، وأن الإنجاز الأهم الذي يُدرِج اسمه في لائحة القادة الاستثنائيين هو إبرام التسوية الفلسطينية - الإسرائيلية يتوج بها كتابة الفصل الأخير من الصراع العربي - الإسرائيلي. وسيرى عند ذلك أن فرص المراهنين على ديمومة هذا الصراع ستنحسر.
قد نجد مَن يقول إنه على رغم أن لا مشكلة أمام ترمب من جانب العرب إلاّ أن الرئيس الأميركي بات في ضوء عوائد القمم الثلاث في الرياض أكثر ثقة بالنفس وأيضاً بالعزيمة إذا ما هو أقدم على الخطوة الأهم وهي تحقيق إنجاز نوعي خلال انعقاد الدورة العادية السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة. والإقدام الذي نعنيه هو مباغتة إسرائيل ومِن على المنبر الأممي عند مشاركته في الدورة السنوية العادية باقتراح أقرب إلى مشروع قرار لتسوية الصراع العربي – الإسرائيلي وإرفاق العرض بالتصويت عليه ومن جانب قادة الدول أو مَن يمثلهم. ومثل هذه الخطوة غير محفوفة بالمحاذير وبالذات بعد الأجواء الإيجابية التي عُقدت في ظلها القمم الثلاث في الرياض. وكان من شأن القمة الأفريقية التي استضافتْها ليبيريا في العاصمة مونروفيا بداية هذا الشهر أن تشكِّل أداة ضغط على إسرائيل لتعديل موقف نتنياهو الرافض أي تسوية موضوعية مع الفلسطينيين، لو أن ليبيريا التي استضافت القمة اشترطت على نتنياهو مقابل مشاركته ضيفاً متحدثاً في الجلسة الافتتاحية، أن يتفهم الموضوع الذي لا بد بات العدد الأكبر من الاثنين وخمسين رئيس دولة أفريقية المشاركين في القمة أكثر حماسة للتسوية القائمة على صيغة الدولتيْن وفق مبادرة السلام العربية، مع ملاحظة أن قادة أفارقة كثيرين زاروا السعودية في الأشهر الماضية وبعضهم شارك في القمة العربية - الإسلامية - الأميركية وعادوا إلى بلادهم أكثر اقتناعاً بالرؤية السعودية - المصرية - الأردنية تحديداً التي تعتبر إنجاز التسوية الفلسطينية – الإسرائيلية هو السبيل إلى الانتقال المتدرج لمنطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية التي هي امتداد للعالم العربي من الفوضى واتساع مساحات الإرهاب إلى الاستقرار فالازدهار.
في أي حال وعلى رغم تقاعسات حدثت يظل التوقع بأن يكمل «الجمهوري» الرئيس دونالد ترمب خلال الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر (أيلول) المقبل ما بدأه الرئيس «الديمقراطي» الأسبق جيمي كارتر الذي في رحاب «كامب ديفيد» تمت الخطوة الصعبة اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل مفسحة في المجال أمام الخطوة الأكثر صعوبة والمتمثلة في إنجاز التسوية التي لا تسوية غيرها للصراع العربي - الإسرائيلي.