مشاري الذايدي
الحق أنه رغم غرابة الوجبة التي أبدى الرئيس الفلبيني، رودريغو دوتيرتي، استعداده لتناولها، فإن الحكاية تتجاوز «طبق دواعش بالمقبلات»!
التصريح العجيب من الرئيس الغريب، دوتيرتي، لا يلام عليه الرجل العصبي، وعلى كل حال؛ فهو دائم الفعل والقول بشكل مغاير للآخرين.
قبل أيام عثرت القوات الفلبينية على جثث أربعة من بحارة سفينة شحن فلبينية مقطوعي الرؤوس من قبل عصابة إرهابية متأسلمة معروفة هي عصابة «أبو سياف»، جنوب الفلبين.
الرئيس رودريغو دوتيرتي قال أمام الصحافيين ومسؤولين محليين، وهو يستعرض صور البحارة المنكوبين في وقت متأخر الأربعاء الماضي: «سآكل أكبادهم إن شئتم. أعطوني ملحاً وخلاً وسآكلها أمامكم». وأضاف: «أنا آكل كل شيء؛ حتى ما ليس قابلاً للأكل». وحمل دوتيرتي هاتفاً جوالاً فيه صورة لاثنين من البحارة القتلى، وقال: «هل سنسمح بأن يستعبدنا هؤلاء؟».
لو أن الأمر ينتهي بمثل هذا الفعل الذي يذكرنا ببطل فيلم «صمت الحملان» الطبيب النفسي المعتوه «هانيبال ليكتر»، لهان الأمر، رغم غرابة وهمجية الوجبة... الأمر أكثر قبحاً وغرابة وشراسة من هذا الطبق الطقسي الهمجي.
كان الهنود الحمر في تقاليدهم يسلخون جلدة رأس خصمهم بعد قتله في الميدان، وكان البرتغاليون في حملاتهم البربرية على البحار والموانئ العربية في القرن السادس عشر الميلادي يقطعون رؤوس ضحاياهم ثم حشوها بالتبن، ثم ينقشون صورة هذا الرأس على درع المقاتل، القائد، ليصبح رمزاً له ولسلالته، كما فعل قاتل الملك العربي المقاوم للبرتغاليين في جزيرة البحرين مقرن بن زامل، وهو كونت لوسا Lous.
لكن بالعودة لعالم اليوم، فإن تفاخر الآفل أوباما بقتل شيطان «القاعدة» أسامة بن لادن، ورمي جثمانه مسلسلاً في ظلمات بحر العرب، وقتل جزار «القاعدة» العراقية الزرقاوي بغارة جوية رهيبة، وقتل عبد العزيز المقرن مجرم «القاعدة» في السعودية بهجمة باسلة مباشرة من الأمن السعودي بالعاصمة الرياض، و«ما يقال» على لسان الروس من قتل خليفة الشرّ الأسود، العراقي أبو بكر البغدادي، ليس نهاية المطاف، وخاتمة الحكاية.
نعم، ملاحقة وقتل وسجن هؤلاء الشياطين، واجب حالّ لا مثنوية فيه، وهو شغل أهل الأمن والنيابة والقضاء، لكن هناك مهمة تتجاوز هؤلاء لطبقة أعمق أثراً.
كيف تفلح الدولة والمجتمع في نزع الجاذبية من هذه الأفكار؟ كيف تُخلق البيئة التي تمنع تفقيس هذا البيض الإبليسي على الدوام؟
هذه مهمة قادة الدول الكبار، عبر الاستعانة بصناع الأفكار «الجديدة» والجريئة... وهذا ما لم يحصل حتى الآن، لذلك صار الحل لدى بعض المحطبين كمشة من الملح وقطرات من الخلّ!
التعليقات