رندة تقي الدين
قال المنسق العام لـ «الهيئة العليا للمفاوضات في المعارضة السورية الدكتور رياض حجاب في مقابلة مع «الحياة»، رداً على سؤال عن تغيير فرنسا موقفها من الأزمة السورية، أنه أوضح في لقاء مع الرئيس ايمانويل ماكرون أن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في منصبه يعزز الفوضى، ويرسخ دور المنظمات الإرهابية، ويجلب المزيد من الميليشيات الطائفية. وشدد على ضرورة محاكمة الأسد وجميع من ثبت تورطهم في ارتكاب انتهاكات ضد السوريين.
ونقل حجاب عن الرئيس الفرنسي تأكيده استمرار دعم بلاده للمعارضة السورية وقوله إن موضوع إعادة فتح السفارة الفرنسية في دمشق غير وارد. واعتبر حجاب أن محادثات جنيف «قاصرة عن تحقيق أي تقدم يذكر، مع استمرار الدعم الروسي والايراني للنظام» وضعف مواقف مجموعة «أصدقاء سورية. وفي ما يأتي نص المقابلة:
> ما هو انطباعك عن كلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن إنشاء مجموعة اتصال تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وعدداً من دول المنطقة وممثلين عن النظام وأنه سيتفاوض مع هؤلاء في إطار هذه المجموعة؟ وما هي نظرتك الى تغيير فرنسا نظريتها بعدما ثبت عدم نجاح ديبلوماسيتها في السنوات السبع السابقة منذ إغلاقها سفارتها في دمشق؟
- تأتي هذه الطروحات ضمن عملية مراجعة شاملة تجريها الحكومة الفرنسية الجديدة في ما يتعلق بسياسة فرنسا إزاء سورية، إذ يدفع الرئيس ماكرون باتجاه انخراط فرنسا في الجهود الميدانية لمحاربة الإرهاب، كما يرغب في التوصل إلى خارطة طريق مع الروس لتحقيق انتقال ديموقراطي في سورية يضمن الحفاظ على مؤسسات الدولة.
المسألة بالنسبة الينا في الهيئة العليا للمفاوضات تتخطى تكوين الانطباعات، فقد بادرنا فور ظهور مثل هذه التصريحات إلى إجراء اتصالات على أعلى المستويات، إذ التقيت بالسيد ماكرون ثم تحدثت معه هاتفياً بعد ذلك، وأكدت له في الحالتين أن بقاء بشار الأسد في منصبه يعزز الفوضى، ويرسخ دور المنظمات الإرهابية، ويجلب المزيد من الميليشيات الطائفية، ويؤجج التمييز والكراهية والاحتقان الطائفي، بخاصة أنه فقد الشرعية بعد أن ثبت تورطه في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري.
كما أوضحت للسيد ماكرون أن الوسيلة الأنجع لطيّ هذا الملف هي تقديم الأسد وجميع من ثبت تورطهم في ارتكاب انتهاكات في حق السوريين للمحاكمة وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، ونبهت إلى ضرورة عدم فتح المجال لإيران لاستخدامه وسيلة لتحقيق أطماعها في التوسع الإقليمي وسعيها لنشر الفوضى في دول المنطقة.
لاحظنا في هذا الإطار وجود بعض التباين في التصريحات الرسمية، ولدى مطالبتنا بالتوضيح، أشار السيد ماكرون إلى أن تصريحاته في شأن بشار الأسد قد أخرجت من سياقها، كما أكد أن موضوع إعادة فتح السفارة الفرنسية في دمشق غير وارد لديه.
جهودنا مستمرة لتوضيح الأخطار الناجمة عن بقاء بشار الأسد في الحكم، خصوصاً في ما يتعلق بدعمه الجماعات الإرهابية وإمعانه في إضعاف مؤسسات الدولة عبر الارتهان للميليشيات الطائفية وللقرار الخارجي، إلا أن من المؤسف أن المجتمع الدولي يبدي تراخياً غير معهود إزاء الجرائم التي يرتكبها بشار الأسد ونظامه، ويبدو أن العديد من الدول الغربية ترغب في تقديم تنازلات أساسية لموسكو بهدف استمالتها للتوصل إلى حل سياسي.
> سبق للرئيس ماكرون أن اتصل بك، فماذا عن هذا الاتصال؟ هل هناك تخلٍّ من جانب فرنسا عن دعم المعارضة السورية؟
- على العكس تماماً. التقيت السيد ماكرون بعد توليه الرئاسة، والاتصال بيننا مستمر منذ ذلك الحين، وقد أكد لي رغبته في استمرار التواصل والتنسيق، وجدد التزام باريس بدعم المعارضة في سعيها لتحقيق المطالب العادلة للشعب السوري.
تربطنا علاقة وثيقة بفرنسا، والاتصالات التي يجريها السيد ماكرون معنا تؤكد حرص الحكومة الجديدة على استمرار هذه العلاقة الوطيدة وتعزيزها.
> الرئيس الأميركي ترامب قال إن العلاقة الروسية - الأميركية أتاحت وقف إطلاق النار خمسة أيام، هل ترى هذا فعلاً؟
- يصعب قياس العلاقة بين أميركا وروسيا باتفاق يقتصر على مناطق جنوب غربي سورية. فقد بذل وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري جهداً كبيراً للتوصل إلى اتفاق مع روسيا في شأن الأزمة السورية في السنوات الماضية، من دون التوصل إلى نتيجة.
ولا تزال الديبلوماسية الأميركية عاجزة عن التوصل إلى اتفاق مع الروس في هذا الملف الشائك والمعقد، فالمفاوضات بين واشنطن وموسكو لم تتوقف خلال الأشهر السبعة الماضية من إدارة ترامب من دون تحقيق أي اتفاق فعلي على الأرض.
هناك تفاهمات هشة تدور في كواليس الديبلوماسية غير المعلنة بين واشنطن وموسكو، لكن الأوضاع الميدانية تسير في اتجاه مغاير، إذ إنها تتجه نحو المزيد من التصعيد في ظل التحشيد الإيراني غير المسبوق، وإدخال طهران وحلفائها قوات وأسلحة نوعية لم تستخدم من قبل، واستعداد مختلف الأطراف لمرحلة جديدة من الصراع عقب السقوط المتوقع لتنظيم «داعش» شرق الفرات.
محاولات واشنطن للتوصل إلى علاقة تعاون مع موسكو تصطدم بعوائق كبيرة في الداخل الأميركي من جهة، وبمصاعب على الصعيد الميداني من جهة ثانية، وأعتقد أن من السابق لأوانه أن يتحدث ترامب عن إنجاز حقيقي في التعاون مع الروس في الملف السوري.
> هل ترى أي تقدم في محادثات جنيف؟ وهل هناك خيبة أمل من كل الدول الكبرى التي أصبحت تقترب من بوتين؟ وهل صحيح أنكم اقتربتم من إجراء مفاوضات مباشرة مع النظام؟
- لا تزال محادثات جنيف قاصرة عن تحقيق أي تقدم يذكر، فالوساطة الأممية تراوح مكانها في ظل رفض النظام التعاون معها، واستمراره في انتهاك القانون الدولي، ورفضه تطبيق القرارات الأممية الخاصة بسورية، وسعيه المستمر لإفشال جهود المبعوث الأممي.
ومع استمرار الدعم الروسي والإيراني للنظام، وضعف مواقف مجموعة «أصدقاء سورية، يراهن السيد دي ميستورا على تحقيق تفاهمات بين القوى الفاعلة للتوصل إلى صيغة عمل يمكن فرضها على الأرض، إلا أن هذا الافتراض لم يثبت أي نجاح يذكر خلال الجلسات السبع الماضية.
نحاول في جهودنا الديبلوماسية تذكير الدول الصديقة بأن جميع المحاولات التي سبق بذلها للاقتراب من موسكو لم تنجح في حلحلة الملفات العالقة حتى الآن، ولا تبدو في الأفق بارقة أمل بقرب التوصل إلى اتفاق في ظل تنامي التصعيد العسكري لإيران والميليشيات التابعة لها.
الشعب السوري سئم من تكرر اجتماعات جنيف وتزامنها مع عمليات القصف الجوي والتصعيد العسكري، وأعتقد أن الوساطة الأممية أصبحت في حاجة إلى التقدم بمعطيات جديدة تتناسب مع عمق التحولات الإقليمية والدولية، وأن تركز على تخفيف معاناة السوريين.
أما بالنسبة الى المفاوضات المباشرة مع النظام، فقد وجهنا من طرفنا العديد من الدعوات لإجرائها، وذلك إدراكاً منا بأن النظام يستنزف الديبلوماسية الدولية من خلال إضاعة الوقت وإفشال المحادثات، ولا نشارك بعض المسؤولين الأمميين التفاؤل بإمكان تحقيق اختراق في سلوك النظام الهمجي في ظل الدعم الذي يحظى به من جانب الميليشيات الطائفية وعدم توافر الجدية الدولية في وقف الانتهاكات التي يرتكبها بحق الشعب السوري.
> ما هو تصوركم لإدارة الرقة بعد إخراج «داعش»؟ هل تعتبر أن تسليمها سيكون للنظام إذا بقيت القوى تميل الى موقف روسيا؟
- معادلة الرقة تختلف عن غيرها من مناطق الصراع في سورية، وذلك نتيجة للتداخلات الإثنية والتفاعلات الإقليمية، والتقاطع مع مشروع التوسع الفارسي.
الإدارة الأميركية تمزج بين سياستي الردع والديبلوماسية غير المعلنة، وهي غير مستعدة لخوض معركة شاملة في الوقت الحالي، في حين تحاول إيران والميليشيات التابعة لها بسط السيطرة على أكبر رقعة ممكنة في ظل التردد الأميركي وتصاعد نبرة الخلافات الإثنية في المنطقة.
في مقابل أطماع التوسع الفارسي، تتحرك أنقرة وفق تفاهمات مغايرة مع موسكو، في حين ترتكز بعض القوى الانفصالية الكردية على الدعم الأميركي لتحقيق موطئ قدم لها شرق الفرات.
لا أعتقد أن الأمور ستستقر في المنظور القريب لأي من الفئات المتصارعة، بخاصة أن النظام قد أثبت فشله في تحقيق أي تقدم عسكري أو المحافظة على المناطق التي يتسلمها من حلفائه، ولا يبدو أن أحداً من الأطراف قادر في الوقت الحالي على حسم الأمور لمصلحته، بخاصة أن غالبية القوى الفاعلة تتجاهل الخصوصية السكانية لمحافظتي الرقة ودير الزور.
التعليقات