جاسر الحربش
من عجائب اللغة العربية: الجبان خائف يتخلف إلى الوراء والشجاع مقدام يتقدم إلى الأمام. هذا الربط بين الخوف والتخلف والإقدام والتقدم لا أظنه موجوداً في اللغة الإنجليزية والألمانية حسب معرفتي بهاتين اللغتين. مسألة التخلف تبدأ بالتخويف من الجني والعفريت في مراحل الطفولة وتستمر إلى أن تصل إلى مراحل التخويف من العسكري والسلطة والحكومة بعد سن البلوغ. هل يمكن لمجموعة بشرية إبداع شيء مفيد صالح للتطوير في أجواء من الطاعة العمياء المفروضة بالخوف؟ أم أن الإبداع والتطوير تلزمهما شجاعة حرية السؤال والجواب والقبول والرفض؟. خذوها على مسؤوليتي، لكن فكروا قبل إصدار الحكم. حيثما توجد طاعة بلا سؤال لا يوجد قبول وحيثما توجد طاعة بلا قبول يوجد خوف، وحيثما يوجد خوف يوجد تخلف. يجب أن يصدمنا التشابه لدرجة التطابق بين وحشية الإرهابي لابس البنطال والقميص ووحشية شقيقه الإرهابي لابس الثوب والشماغ وذلك الذي يحتزم بالوزرة ويمضغ القات. ما الذي يجمع بين هؤلاء المختلفين في المظاهر المتطابقين في همجية العدوانية والقتل؟. هؤلاء كلهم تجمعات من بيئات محكومة بالخوف قفزت فجأة إلى فوضى التمرد المدمر.
أليس الإرهابي العراقي والشامي واللبناني والتونسي والجزائري صورة طبق الأصل في المفاهيم والمزاج وقطع الرقاب من الإرهابي الخليجي واليمني والصومالي والأفغاني؟. العنصر الذي يجمع هذه العقليات هو التخلف، وسبب التخلف هو كونهم كلهم نتاج مجتمعات الطاعة المشروطة بالخوف. الحروب الأهلية على اتساع الرقعة العربية والإسلامية كشفت ما كان مخدوماً بالكذب والشعارات والمواعظ ومستوراً بالخوف من الاستجواب وعقاب المجتمع والسلطات الثلاث. شروط السلم والسلامة هي نفسها في كل بلد عربي، فإما الطاعة العمياء وإما التقاتل حتى تفنى الديار. انفلات عفوي غير متوقع في أي مجتمع محكوم بطاعة الخوف يؤدي إلى كوارث شاملة يتحملها البريء والمذنب. الأحوال كما نرى ونسمع في نشرات الأخبار على مدار الساعة.
التربص حتى تحين الفرصة هي الديناميكية الوحيدة المتوفرة للمطيع الأعمى الخائف، وهي ديناميكية مدمرة حين تتفجر وساكنة هامدة غير خلاقة قبل ذلك، أي متخلفة. ثنائية الخوف والتخلف ماثلة على خارطة العالم عبر كل التاريخ البشري، وأصبحت أكثر وضوحاً مع التشارك المعلوماتي المتوفر اليوم. تأمل في خارطة العالم الحديث وسوف تجد دولاً ناهضة مبدعة خلاقة ومكتفية، ودولاً منهكة تقتات المواعظ والشعارات نهاراً وتنام على وسائد الخوف من المستقبل كل ليلة.
أول خطوة نحو المستقبل المكتفي المتكافئ التي يحتاجها كل شعب هي أن يرى بداية الطريق أمامه نيرة وواضحة، ومولد طاقة النور هو فقط حرية السؤال والجواب، ثم بعد ذلك السير بخطوات جماعية إلى الأمام بعيون وعقول مفتوحة خلفت الظلام للخوف والتخلف.
التعليقات