رحاب عليوة 

لا يزل العم رشاد شعبان (53 سنة) يحتفظ بذكريات ثلاث سنوات قضاها في العراق قبل نحو ثلاثين عاماً، حين كان يعمل في مصنع سجاد قبل أن يعود إلى مصر ليفتح ورشته الخاصة. يقول: «المصري كان مصان، حتى إذا اختلف مصري وعراقي نُصر الأول على الأخير صاحب الأرض». لذلك احتلت العراق في ذاكرته مكانة خاصة.

في المقابل لا تحمل كل الجالية العراقية لمصر المشاعر ذاتها، فبينما قررت بعض العوائل العراقية الاستقرار فيها كوطن بديل، خصوصاً الذين نجاح مشاريعهم التجارية كالمطاعم والمكاتب العقارية وشركات تصدير، هاجرت الغالبية إلى دول أميركا وكندا، وهؤلاء قدموا إلى مصر من البداية كمحطة انتظار. فئة ثالثة عادت إلى العراق بعدما فشلت مشاريعهم التجارية وعجزوا عن الاندماج في المجتمع.

وتحتل الجالية العراقية في مصر الآن المركز السابع على قائمة اللاجئين، بواقع 6784 لاجئ، بعد السوريين، السودانيين، الإثيوبيين، الإريتريين، الصوماليين، مواطني جنوب السودان» بحسب مكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، مسجلة تراجعاً ملحوظاً مقارنة مع بداية النزوح العراقي عقب الغزو في 2003، وبلغت ذروتها في العامين 2005-2006.

يستعد العم سعيد (52 سنة)، الشهير بـ «أبو عدنان»، لمغادرة مصر التي جاء إليها قبل ثلاث سنوات من إحدى المحافظات الكردية في شمال العراق هرباً من الطائفية والتضييق. وعلى رغم أنه فتح مخبزاً عراقياً في الحي السابع في مدينة السادس من أكتوبر، وهو مشروع شائع بين أبناء الجالية العراقية، لكن «حوادث السرقة والخطف وغلاء الأسعار» التي يتعرضون لها، بحسب قوله، بجانب صعوبات تجديد الإقامة، دفعته إلى قرار العودة إلى العراق.

وفي الحي السابع في مدينة أكتوبر أيضاً يعمل مدرس اللغة الإنكليزية محمد حميد (38 سنة) بائعاً في متجر عراقي للمعلبات والألبان، فيما يسكن في الحي الأول. ويُعد الحي السابع صاحب أكبر تمركز للعراقيين المقيمين في مصر، وتبرز فيه المطاعم والمتاجر العراقية مثل مطعم لبيع «الفلافل العراقية» الذي اشتراه مصريون من أصحابه العراقيين قبل أن يهاجروا وبعد أن أخذوا منهم «سر الصنعة» كما يقول الشاب المصري غازي علي، أحد العاملين في المطعم.

ويأتي الحي السابع في مدينة نصر في المرتبة الثانية ثم حديثاً مدينة الرحاب. واللافت أن المناطق الثلاث تصنف مناطق راقية وأسعار الوحدات السكنية فيها مرتفعة، ما يمنح مؤشراً على طبيعة تلك الجالية «المنطوية» على عكس الجالية السورية التي تغلغلت داخل الطبقات المصرية كافة، وسكنت مناطق راقية والشعبية وحتى عشوائية. ولا يرجع ذلك إلى ترف أبناء الجالية العراقية المادي مقارنة بالجالية السورية، فحتى محدودي الدخل من بين أبناء الجالية العراقية يسكنون تلك المناطق بناء على نصيحة من سبقوهم من العراقيين إلى مصر. وعلى سبيل المثال، سميح الذي يتقاضى راتباً قدره 1000 جنيه مصري (نحو 60 دولاراً) لكنه يدفع إيجار شقته ثلاثة أضعاف ذلك المبلغ، على رغم أن مساحتها لا تتعدى 120 متراً.

انطواء الجالية العراقية شائع حتى في ما بينها، وعلى عكس ترابط أبناء الجالية السورية وتشكيلهم الجمعيات وتمركزهم في وحدات قريبة من بعضهم وتوفير نظام تكافلي في ما بينهم، عاشت كل عائلة عراقية داخل مصر في حالة شبه عزلة، لا تتواصل مع من سواها من أبناء الجالية إلا حينما تجمعهم الصدفة في الغالب. عن ذلك تقول الشابة شهد خالد التي جاءت إلى مصر مع عائلتها في 2006 وسكنوا مدينة نصر، «تعرفنا إلى عراقيين في مصر جمعتنا بهم ظروف الدراسة».

الأمر ذاته يؤكده أحد قدامى المقاولين في الحي السابع بمدينة أكتوبر، يدعى العم أبو علي، قائلاً لـ «الحياة»، إن العراقيين «لا يتمركزون في بنايات متجاورة، غالباً ما تفصل بينهم عشر بنايات أو أكثر، ولا يتواصلون إلا نادراً». وعندها يعود أبناء الجالية العراقية للحديث بلهجتهم الخليجية التي يتخلون عنها عند الحديث مع المصريين. وتقول شهد خالد: «المصريون لا يفهمون اللكنة الخليجية، لذلك نضطر للحديث معهم باللكنة المصرية، لكن المصريين الذين مكثوا فترة في العراق يفهموننا». وذلك اختلاف آخر بين الجالية العراقية والسورية، إذ تتمسك الأخيرة باللكنة الشامية التي انتشرت داخل المجتمع المصري بفعل «الدبلجة» في الأعمال الدرامية غير عربية التي انتشرت داخل المجتمع المصري.

العراقيون أنفسهم يرون أنهم «ليسوا كالسوريين» في مصر، ويعتبرون أن الحكومة المصرية تتساهل مع السوريين لكنها تتشدد مع العراقيين في تجديد الإقامة أو استقبال وافدين جدد. ويتساءل أستاذ اللغة الإنكليزية: «لماذا تعاملنا الحكومة المصرية هكذا في حين أن العراق أحسن استقبال الجالية المصرية سابقاً». وأشار إلى أنه جاء إلى مصر بتأشيرة سياحية كلفتها 400 دولار، لذلك ترفض الحكومة منحه إقامة أو السماح لنجلتيه بالالتحاق بالمدرسة إلا بعد الحصول على «تأشيرة أمنية» تكلف 1200 دولار. وأضاف: «السوريون يأتون هرباً عبر السودان ويأخذون إقامة ومساعدات، لكني دخلت بصورة رسمية وإلى الآن أعيش ببطاقة لجوء من الأمم المتحدة».