علي محمد فخرو

موضوع معاهدة عدم انتشار الأسلحة الذرية واستعمالها كحق يراد به باطل هو موضوع يهمّنا، نحن العرب، كموضوع استراتيجي من جهة، وكموضوع وجودي من جهة أخرى.
لقد آن الأوان أن نحسم الموقف العربي من هذا الموضوع لنقول بصوت عال: إننا لسنا مع معاهدة عدم انتشار الأسلحة الذرية لأنها تميز فيما بين الدول على أسس قيمية كاذبة. فهي تسمح للدول التي كانت تملك أسلحة ذرية قبل توقيع المعاهدة في عام 1965 بالاحتفاظ بترساناتها الذرية، بينما تحرم امتلاكها من قبل باقي الدول. وهذه قسمة ضيزى، مهما قدم من أسباب موجبة.

وفي نفس الوقت، وبنفس القوة، نحتاج إلى الرفض التام لانتشار الأسلحة الذرية بين جميع الدول، فهذا تعميم للشر وتحرك نحو دمار هذا العالم من قبل هذا المجنون أو ذاك السادي النرجسي. ذلك أن تاريخ العالم الحديث قد أثبت بصورة قاطعة أنه لا يوجد نظام سياسي في أي بلد، بما فيها البلدان الديمقراطية العريقة، فيه من الحصانات والضمانات التي لا تسمح بوصول مجنون أو أحمق أو سادي إلى مركز اتخاذ القرار الحاسم بشأن استعمال أسلحة الدمار الشاملة.
لنا عبرة في استعمال الولايات المتحدة للقنبلة الذرية في اليابان، وتدمير مدينتين غير عسكريتين، وقتل وجرح وإعاقة مئات الآلاف من سكانهما، وذلك بالرغم من تأكد القيادة الأمريكية بأن اليابان كانت في طريقها للاستسلام وإعلان نهاية الحرب.
لنا عبرة أيضاً في استعمال الولايات المتحدة الأمريكية المادة الكيميائية السامة والمسرطنة، المعروفة بمادة «الأورنج»، في حرق وإتلاف وتسميم ما يقارب نصف غابات فيتنام، وقتل وجرح وإعاقة وسرطنة مئات الآلاف من سكانها، بالرغم من معرفتها بأن الملايين من المدنيين الأبرياء سيكونون عرضة للموت أو الإعاقة أو المرض عبر سنين طويلة قادمة.
ولذلك فإن النقطة الأساسية التي انطلقت منها معاهدة عدم الانتشار للأسلحة الذرية، من أن هناك دولاً عاقلة لن تستعمل أسلحتها الذرية وبالتالي يمكن لها أن تحتفظ بترسانتها الذرية، ومن أن هناك دولاً غير عاقلة وغير ديموقراطية على الأخص وبالتالي لن يسمح لها بامتلاك السلاح الذري.. تلك النقطة الأساسية كانت مبنية على عدم الأخذ بعين الاعتبار دروس الحادثين البائسين السابقين في اليابان وفيتنام اللذين قامت بهما دولة ديموقراطية.
لنمعن النظر في نوعية القيادات الخلقية والثقافية والإيديولوجية التي انتخبها الملايين من الناخبين مؤخراً في بعض البلدان الديمقراطية ونستمع إلى التصريحات الخطرة الصادرة بشأن الخلاف الأمريكي - الكوري الشمالي، حتى نرى صحة ما نؤكده من وجود إمكانية كبيرة لاستعمال الأسلحة الذرية من قبل من يمتلكونها، وبالتالي إضافة بؤس جديد للبؤس الذي تعيشه البشرية وتعيشه بيئة الأرض التي نعيش فيها.
نحن العرب، الذين نعيش الموضوع الذري بكل جوانبه وتعقيداته، خصوصاً بالنسبة للاحتلال الاسرائيلي الذي يمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة الذرية، ويهدد دوماً باستعمالها إن لزم الأمر، وتدور قيادته في دائرة الحمق والجنون والإجرام، ويجعل كل دول المنطقة العربية وغير العربية تفكر في امتلاك السلاح الذري لحماية نفسها من هذا الاحتلال الاستعماري العنصري الاستيطاني الإقصائي، نحن العرب يجب أن نكون من أول المنادين، لا بمنع الانتشار ولكن بتحريم الامتلاك من قبل أي دولة، وبالتالي بتدمير كل الأسلحة المتواجدة عند الدول المميزة عن باقي دول هذا العالم.
هذا هو الموقف المطلوب سواء من قبل مجلس التعاون الخليجي أو الجامعة العربية أو الاتحاد المغاربي أو منظمة المؤتمر الإسلامي. ومثلما قاد العرب حركة عدم الانحياز في الخمسينات والستينات من القرن الماضي فإنهم يستطيعون أن يكونوا في طليعة من يواجه هذا الموضوع القائم على التفرقة بين الدول في قيمتها الدولية وعلى أوهام سياسية كاذبة.
تغطية لب الموضوع بثرثرات سياسية وإعلامية عن جنون رئيس هذه الدولة أو عن عدم الثقة في قيادة تلك الدولة أو عن طريق التهديد والوعيد، وكأن مستقبل العالم رهينة في يد هذه الدولة أو تلك، لن يخفي حقيقة السخافات والأكاذيب والتلاعب بالألفاظ التي يمتلئ بها حقل الموضوع الذري برمته وبكل تجليات تطبيقاته.
موضوع استعمالات الطاقة النووية ليس موضوعاً سياسياً، حتى يخضع لمساومات وتقلبات السياسة، وإنما هو موضوع وجودي بامتياز، ويحتاج أن يعالج كذلك.
وبالطبع نحن ندرك الشلل وقلة الحيلة والضياع الذي أصاب الحياة السياسية العربية. وهذا يعني عدم قدرة النظام السياسي العربي، على أي مستوى كان، أن يأخذ المبادرة بالنسبة لأي موضوع كان.
ولكن هل تستطيع مختلف مجموعات التواصل الإلكتروني الاجتماعي العربية أن تقوم هي بطرح الموضوع على المجتمعات المدنية في منطقتنا وفي العالم كله، لتكوين صوت جماهيري عالمي كبير يطالب بتدمير كل الأسلحة الذرية وتحريم امتلاكها من قبل أي بلد كان، وتطوير الموضوع النووي برمته، على المستوى الدولي، لمنع انتقال تكنولوجيا الذرة إلى أن تصبح قط، عبر القرون، مصدر إيذاء للبشر والأرض التي يقطنون فيها.
إذا استطاع شباب وشابات هذه الأمة أن يفعلوا شيئاً في هذا المسار الطويل الشاق فإنهم سيريحوننا من غثيان الاستماع إلى بعض السياسيين العرب وهم يتحدثون عما لا يفقهون، وهم يجرّون أيضاً هذا الموضوع إلى ساحات الابتذال الطائفي، أو المماحكات بين أنظمة الحكم، أو البكاء على إمكانات وفرص لم يحسنوا استعمالها.