سالم حميد
يبدو أن قطر سوف تدفع ثمن مكابرتها وتأخرها عن العودة إلى المربع الخليجي، لأن الخليج وحده هو الذي يمثل لها المحيط الطبيعي على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وكلما تمادت وانتهجت سياسات معادية للأمن القومي الخليجي،
يصبح النظام القطري بدوره على كف عفريت، وبخاصة مع ظهور مطالبات بالتغيير الجذري للنظام في الدوحة.على هذه الخلفية انعقد في لندن الخميس الماضي مؤتمر المعارضة القطرية تحت عنوان «قطر في منظور الأمن والاستقرار الدولي»، وسنحت لي فرصة شخصية للتعرف عن قرب إلى حركة المعارضة القطرية المنظمة لهذا المؤتمر، ومعرفة وجهة نظرهم ولماذا يعارضون النظام القطري. ومن الواضح أن السلطة القطرية رغم الثروة الهائلة التي تتصرف فيها حتى الآن فهي تفتقد عوامل ومتطلبات النضج السياسي الذي يراعي ثوابت وتوجهات الدول الفاعلة في الإقليم. ورغم أن تنظيم المؤتمر تم بجهود فردية لبعض القطريين المعارضين، وعلى رأسهم المعارض خالد الهيل، فإن المؤتمر نجح بالفعل في فهم العقلية الغربية، وركّز على كيفية توجيه الرسائل والمطالب الإنسانية والسياسية المشروعة وفق المفهوم العالمي السائد، وبما يتسق مع العقل السياسي الغربي الذي يمنح الأولوية للقضايا الحقوقية، فعلى مدى عقود من الزمن نظمت بعض الدول العربية الكثير من المؤتمرات المشتركة في الغرب، لكنها لم تنجح في مخاطبة الرأي العام الغربي بالأسلوب الذي يفهمه ويؤثر فيه، أما في مؤتمر المعارضة القطرية فقد نجح المنظمون فعلياً في التقريب ما بين الشرق والغرب وجعل الموقف من ممارسات النظام القطري الداعم للإرهاب موقفاً عالمياً، على الأقل لدى نخبة الفكر والإعلام ومراكز الأبحاث.وتمثل نجاح المؤتمر في بلورة إجماع على خطورة السياسة القطرية على المستوى الدولي، علماً بأن جميع من حضر مؤتمر لندن كانوا نخبة من كبار المسؤولين في أوروبا وأميركا، وكذلك نخبة عربية من الوسط الإعلامي والثقافي. وبالطبع حاولت الدوحة عرقلة مؤتمر لندن، لكنها فشلت، وأضيفت محاولاتها لإفشال المؤتمر إلى قائمة الانتهاكات والدلائل على جنونها ومكابرتها وتغطيتها باستمرار على الممارسات الخاطئة، حيث كشف المعارض خالد الهيل أن قطر لجأت إلى «دفع رشاوى وشن حملة إعلامية لوقف انعقاد المؤتمر الأول للمعارضة القطرية في لندن».
المؤتمر ناقش خمسة محاور أساسية، تخللتها قضايا فرعية ومطالب حقوقية تتعلق بعائلات قطرية أصيلة تطالب باستعادة هويتها وحقوقها، بعد أن دخل النظام القطري معها في حالة عداء غير مبرر اجتماعياً، لأن القبيلة في الخليج تمثل نواة المجتمع الصلبة، لكن النظام القطري قام بسحب جنسيات كثير من أبناء القبائل، وكما تخسر قطر بسياستها المرتبكة الحاضنة الخليجية، خسرت من قبل أطيافاً من مجتمعها، فأصبحت معارضة نظام الدوحة من داخله خطوة مشروعة لكل القطريين.
أما المحاور التي تم تناولها في مؤتمر لندن فقد فرضت نفسها، وكانت الأولوية لمحور قطر والإسلام السياسي ودعم الإرهاب، وهذا من أغنى المحاور، لأن المتابع للأداء السياسي والإعلامي القطري يجد الكثير من الشواهد على دعم قطر للإرهاب، ثم محور العلاقة بين قطر وإيران باعتبارها مصدراً لعدم الاستقرار الإقليمي، بالإضافة إلى مناقشة تطلعات قطر للنفوذ العالمي مقابل نهجها الذي يتصادم مع القوانين الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة بتسليط الضوء على ملف تنظيم كأس العالم لسنة 2022. وهناك ملف الإعلام القطري وعلاقته بتأجيج التطرف، وأخيراً ملف الاقتصاد والجيوسياسية وأمن الطاقة الدولية.
التعليقات